Page 21 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 21

‫‪19‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫محمد يونس‬

    ‫(العراق)‬

    ‫تمفصلات لسانية للسرد المرتد‬

    ‫رواية «ضمير المتكلم» لفيصل الأحمر‬

    ‫قدمت لسانيات اللغة الروائية في الرواية عبر كل عتبة من العتبات التي‬

    ‫تضمنتها الليالي صيغة مختلفة عن سابقتها‪ ،‬رغم أن المضمون يبدي‬

    ‫لنا إعادة صياغة الموضوع ذاته بصيغة ذاتها لكن بتعبيرات مختلفة‪،‬‬
    ‫لكن نجد نسق اللغة قد أكد لنا أن هناك اختلا ًفا واض ًحا بين عتبة الليلة‬
    ‫والليلة الأخرى‪ ،‬خصو ًصا في الجانب الزمني‪ ،‬فاستعادة العتبات ليس‬
    ‫تمثل استعادة مضمون العتبة السابقة‪ ،‬بل هناك مضمون جديد وإن‬

    ‫اتصل بذات الفكرة‪.‬‬

    ‫الاجتماعية إلى الأمام‪ ،‬وبذلك قد أفسدوا العملية‬         ‫ارتداد السرد بدوران الزمن‬
‫الجمالية‪ ،‬ولدينا أنموذج نوعي هنا وجدير بالتحليل‬
                                                      ‫لقد أبدت سيرورة الرواية تحولات عدة من فكرة‬
   ‫لبنيته الفنية وسعيها لتصعيد الجمال إلى أقصى‬
‫الطاقات الممكنة روائيًّا‪ ،‬حيث إن رواية ضمير المتكلم‬      ‫إلى أخرى‪ ،‬وقد تصاعدت ذروة الرواية فنيًّا بعد‬
                                                     ‫إطلاق رودريجن أول افتراض بالسمو الفني للرواية‬
   ‫للروائي فيصل الأحمر قد استثمرت حتى القبح‬
 ‫خارج تصنيفه العام‪ ،‬لكي تنتج من خلاله مضمو ًنا‬           ‫وإخراجها من نمطيتها ورتابة السرد فيها‪ ،‬وقد‬
 ‫جماليًّا‪ ،‬خصو ًصا وهي ببنية فنية متعددة الأبعاد‪.‬‬         ‫استثمر في بداية القرن العشرين طاقات الكتابة‬
 ‫لقد طرحت الرواية منظومة سردية تتصل بالزمن‬             ‫الروائية ما افترضه رودريجن وخصو ًصا جيمس‬
‫الدائري‪ ،‬مرة مباشرة وأخرى بصيغة غير مباشرة‪،‬‬              ‫جويس في سعيه الجدير‪ ،‬والذي لم يهتم لردود‬
                                                        ‫الافعال الرجعية التي تريد أن تبقى الرواية تدور‬
    ‫ففي الجانب المباشر كان ضمير المتكلم بوصفه‬            ‫في فلك الرتابة‪ ،‬وبعد ذلك الدور الحيوي تنفست‬
  ‫روا ًيا وسار ًدا في ذات الوقت‪ ،‬وفي تصنيف جانب‬          ‫الرواية بعمق‪ ،‬وصار بإمكانها أن تتطلع فنيًّا إلى‬
                                                        ‫ما هو مستجد ومستحدث يزيد من قيمتها الفنية‬
      ‫الروي كان ضمير التكلم؛ والذي أفصحت لنا‬              ‫ويصعد من تطلعها الجمالي إلى أقصى الحدود‪،‬‬
  ‫الرواية عن كشف التبئير بصفة نسبية عن هدف‬              ‫وفع ًل صار هناك استثمار‪ ،‬لكن نقر بأنه متباين‪،‬‬
 ‫المؤلف الداخلي‪ ،‬الذي مثل ضمير المتكلم النيابة عنه‬      ‫وفيه سعي جاد لقلة من كتاب الرواية‪ ،‬أما الكثرة‬
   ‫داخليًّا‪ ،‬ووصف الأفعال السردية‪ .‬إنه من طبيعة‬        ‫فهم يناورون ويقدمون الذات الشخصية بطبيعتها‬
‫الوصف الخارجي أن يسد ثغرات السرد‪ ،‬وهذا أمر‬
 ‫بدا واض ًحا في كيان الرواية‪ ،‬ولا نقصد بقولنا سد‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26