Page 24 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 24

‫العـدد ‪32‬‬                        ‫‪22‬‬

                                                            ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬خالد أقيس‬

‫(الجزائر)‬

‫المسألة الأخلاقية‪..‬‬

‫في «ضمير المتكلم» لفيصل الأحمر‬

‫الشخصيات كلها تعاني من نشاط مفرط للذكريات التي تعذبها‪ .‬إن هذه‬
‫الذكريات التي يبدو كأن شي ًئا ما يستفزها؛ شيء قد يكون «الحراك»‬

‫الشعبي الذي أعاد الجميع إلى لحظة تنتمي إلى شكل معين من التاريخين‬

‫الشخصي والجماعي أجج القناعات والمنظومة الأخلاقية المنوطة بها‪.‬‬

‫فالأخلاق التي نبحث عنها دو ًما في الرواية وسط جدل قديم كبير‪ ،‬هي‬
‫منظومة الاستحسان والاستهجان التي تتجلى في التواريخ الشخصية‬

‫المعزولة للشخصيات‪.‬‬

     ‫كيف يمكن أن تكون الأخلاق مشروعنا بعد أن‬           ‫عرفت الأخلاق زحزحات كثيرة منذ نعومة‬
      ‫فضح تاريخ القرن العشرين الوحش الساكن‬
  ‫تحت ملامح الملاك داخلنا؟ لقد سقطت السرديات‬             ‫أظافرها المبكرة في المهد الديني؛ فقد استحوذ‬
    ‫الكبرى كلها في غضون نصف قرن تقريبًا‪ .‬فهل‬          ‫الفلاسفة مبك ًرا على الفكرة الأخلاقية منبهين إلى‬
 ‫من مشروع تحمله الروايات كحال «ضمير المتكلم»‬        ‫حدود مسؤولية الفعل في العالم‪ ،‬وكيف أن الجانب‬
‫لفيصل الأحمر من أجل البحث عن «إنسانية» متبقية‬       ‫اليوطوبي الكامن في الفكرة الأخلاقية الدينية غالبًا‬
                                                       ‫ما يقابله بصفاقة كبيرة ما يوجد في الحياة من‬
                                      ‫للإنسان؟‬       ‫أفعال تتسرب من الدين إلى الدنيا بأريحية كبيرة‪،‬‬
        ‫إن «ضمير المتكلم» رواية غارقة في الحياة‬
 ‫اللاأخلاقية‪ ،‬وهي تبحث عن معنى معين للأخلاق‪،‬‬            ‫مذكرة إيانا بأن تمام خلق النفس البشرية كما‬
        ‫وسط كل ذلك الجحيم الأليف الذي صنعته‬         ‫يصفها القرآن الكريم ‪-‬في ن َفس فلسفي يكاد يكون‬
   ‫الشخصيات القلقة التي تتحرك على متن الرواية؛‬
  ‫التي تستضيف ست شخصيات تبحث عن مؤلف‬                 ‫بعي ًدا عن مألوف الخطاب الديني في تصورنا‪ -‬لا‬
  ‫يسمى «الشيخ»؛ وهو كاتب قارب السبعين ولكنه‬           ‫يتم إلا إذا تحقق الشرط البديع الذي يسكن الآية‬
 ‫يتعاطى الحشيش كل ليلة تقريبًا‪ ،‬ويدخل في علاقة‬
 ‫غير شرعية مع امرأة يبدو أنها لم تجد مكانها على‬         ‫القرآنية «ونف ٍس وما سواها‪ ،‬فألهمها فجورها‬
‫أديم الرواية‪ ،‬ففضلت الهروب عبر سراديب تحولت‬                                              ‫وتقواها»‪.‬‬
   ‫بقدرة السرد الإلهية إلى الرواية برمتها؛ تلك هي‬
     ‫شخصية «زهور» المرأة التي تلقي بظلالها على‬      ‫من جهة أخرى حق لنا (ووجب كذلك) أن نتساءل‬
  ‫الرواية كلها‪ ،‬حتى لتغرينا بأن نعتبرها الشخصية‬    ‫عن الزعزعة الأخيرة التي كانت على هامش الحربين‬
                                                   ‫الكونيتين في القرن العشرين‪ ،‬وقد نتج عن كل ذلك‬

                                                     ‫تفكير متشكك في الإنسان وفي المذهب الإنساني‪..‬‬
                                                     ‫فقد تأكدنا بشكل ما أن الفجور في الخلق قد غلب‬

                                                                            ‫التقوى غلبة تامة كاملة‪.‬‬
   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29