Page 29 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 29

‫‪27‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                                            ‫مثبتة إياه في دروس جديرة‬
                                                                            ‫بأن تحفظ وأن تنتقل على‬
                                                                            ‫الأجيال المقبلة‪.‬‬
                                                                            ‫شخصية المؤرخ في «ضمير‬
                                                                            ‫المتكلم» مه َّم ٌة ج ًّدا‪ .‬هو‬
                                                                            ‫رجل كثير النسيان‪ .‬مخبر‬
                                                                             ‫جيد ولكنه يعاني دو ًما من‬
                                                                            ‫تركيب ما لديه من معلومات‬
                                                                            ‫من أجل فهم جيد لمن‬
                                                                            ‫يراقبهم ولما يتجسس عليه‪.‬‬
                                                                            ‫يقول للشيخ في بعض‬
                                                                            ‫المقاطع التي يغمرها بالفعل‬
                                                                            ‫المهم في الرواية والتاريخ‬
                                                                            ‫وفي الأخلاق أيضا‪« :‬أذكر»‬
                                                                            ‫الذي هو فعل شديد‬
                                                                            ‫الحساسية‪:‬‬
‫محمد بوضياف‬  ‫حسين آيت أحمد‬                              ‫جان فرانسوا ليوتار‬  ‫«الجزائر كلها كانت تحب‬

       ‫شيء الذي يصنع الفارق‪ .‬وتما ًما كما يتجلى‬                                    ‫السينما‪ .‬وكانت البلاد‬
     ‫التاريخ الأدبي على مستوى «المؤلفين العظماء»‬                                                 ‫بخير‪.‬‬
  ‫الذين يشكلون عائلة راقية‪ ،‬لا شية فيها‪ ،‬ويجعلنا‬
    ‫بالإطلاع على المدونة الأدبية كأنما نحن نشاهد‬         ‫فسد تاريخ البلاد على ما أذكر حينما تنكر الجميع‬
‫عائلة متراصة في عالم البلاغة والخيال البديع‪ ،‬عائلة‬                                             ‫للسينما‪.‬‬
   ‫متماسكة عبر القرون‪ ،‬يؤرخون للعالم من خلال‬
  ‫كتابة أعمال تناقض بنية التاريخ كما يقول رولان‬         ‫أذكر جي ًدا أننا كنا ثلاثة الصادق أنفو وسعيد فوطو‬
                                                          ‫وأنا موح ليسطوريان؛ اسم سيتحول بعد تعريب‬
                                         ‫بارت‪.‬‬
   ‫يبدو أن شخصيات هذه الرواية تقاوم «السردية‬             ‫فترة الإرهاب إلى‪ :‬المؤرخ‪ .‬سعيد أنقذه الحب فهرب‬
 ‫الكبرى» للدولة الوطنية‪ .‬كان جان فرانسوا ليوتار‬             ‫بأداة تصويره وصوره مع دلال باك ًرا‪ .‬قال إن‬

      ‫قد كشف الرابط بين سرديات الحداثة وفكرة‬            ‫مدرستنا ملوثة بالمخبرين‪ ،‬الصادق ذهب بعي ًدا لأنه‬
  ‫التحرر التدريجي للعقل والعمل المؤدي إلى تحرير‬           ‫باع الجميع إثر اغتيال بومدين‪ .‬كنا شبا ًبا يناضل‬
‫البشرية جمعاء‪ ،‬بفضل التقدم الديمقراطي والتقني‪،‬‬            ‫لأجل غد البلاد الأفضل‪ ،‬وصدفة تحول اسمنا إلى‬
                                                                                    ‫«الخلايا الشيوعية»‪.‬‬
      ‫لكن الثقة في المشروع الحديث تحطمت بسبب‬                   ‫حتى نحن أبناء الوضوح والمواقف الشجاعة‬
                                                            ‫والمواجهة لأجل النضال لحقت بنا عادة الكنية‪.‬‬
‫الكوارث الكبرى في القرن العشرين‪ ..‬وهو المسار‬                                                      ‫أذكر‪.‬‬
‫نفسه الذي تصوره رواية «ضمير المتكلم» ممث ًل‬             ‫لا أفعل شيئًا منذ عشرات السنين سوى تدوين‬
                                                         ‫يومياتي وملاحظاتي‪ .‬ليست يوميات هي فقط‬
‫في أزمة التسعينيات وما سمي ساعتها بالعشرية‬              ‫ذكريات بطلها الأساسي الوطن‪ .‬فيها معلومات‬

             ‫السوداء التي تتوسع دائرة عملها في الرواية‬  ‫كثيرة حول كل شيء»‪( .‬الرواية‪ :‬ص‪)35 -34‬‬

‫لكي نبحث عن أصول الأزمة في أزمات سياسية‬                 ‫إنه يبني «سر ًدا مصا ًبا بعمى اختياري» للتاريخ‬
‫وأخلاقية أكبر بكثير من حدود الجزائر وسردية‬               ‫الوطني؛ تاريخ كما يبدو من هذا المقطع ينزلق‬

                            ‫الجزائري‪.‬‬                   ‫بسرعة من تاريخ الفرد «اليوميات» إلى التاريخ‬

‫الحوار النهائي بين المحقق والكاتب «الشيخ» الذي‬          ‫الجماعي «فيها أخبار عن كل شيء»‪ ..‬هذا الكل‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34