Page 33 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 33
31 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
إلا على أديم السرد ،وفي حجرات الكلمات المتراصة حين تتحدث الضمائر مع الأنا الساردة فإن
بلا هوادة ..يغرينا أن نتساءل حول طبيعة هذا مجموعة من الأسئلة تراود الذاكرة وتصر على
المكان ،ألا يكون يا ترى نو ًعا من اليوتوبيا ،أو الطرح ،لذلك نجد سكان الرواية يسارعون نحو
ربما شك ًل من أشكال الديستوبيا ،بما أننا نرى الأسئلة التالية :ما هو موقع الضمير من سرديات
أن نهاية تطواف كل روح من هذه الأرواح هي فيصل الأحمر؟ لماذا اختار الروائي ضمير المتكلم
العذاب والأسى والأسف على شيء ما وعد بأنه
ممكن لكي تتعين وتتضح استحالته في الأخير؟ على غيره من الضمائر؟
عندما تقترب كثي ًرا من عالم اليوتوبيا يبدو أن جل الإجابات ستكون حوصلة لإفرازات عالم
دخولها يظل مستحي ًل لاقتصارها على أفراد روائي يعيد نفسه في كل مرة بطرق متجددة،
يجدون الأمن بداخلها ،يقودنا هذا إلى طرح محاو ًل البحث عن سبل الوصول إلى الخطابات
الأسئلة التالية: التي شكلت بنايات لغوية قواعدها محصنة،
-هل اليوتوبيا موطن الضمائر يا ترى؟ وأبواب الدخول إليها تحتاج إلى شبكة معقدة من
الفلاسفة يعتمدون كثي ًرا في فهمهم على طرح الدوال المتعالية« :أجمل ما في النكتة حروفها..
أعتقد حرفي النون والكاف يعادلان الزطلة أو
الأسئلة ،لأنها تربطهم بفرضيات تفتح لهم مكا ًنا يعادلان الضحك ..إذا اجتمع النون والكاف ابتسما
للعيش داخل جمهوريتهم ،فهم يرفضون اليوتوبيا بلا إدارة ،يسكت قلي ًل متذك ًرا شيئًا يتخذ شكل
لأنها تقيدهم وتأخذ من حريتهم وتقدم لهم أسئلة الدخان ،كحال أي شيء في هذا المكان ،يأخذ نف ًسا
عمي ًقا :ألا يكون شارل آزنافور الحلوف يتحدث
خارج الفلسفة ،لذلك نجد ضمير المتكلم يسكن عن الزطلة ،وهو يقول جملته الجميلةJe Souris :
حيِّ ًزا غير محدود العوالم رفقة ضمائر أخرى .malgré moi. Rien qu’à te regarderحب
تمثل جز ًءا من عالم الأحداث .ولأن الضمائر كهذا لا يكون إلا للسبسوب ..أويذ آسبسي أيوما»
تقترب من الفلسفة وتبتعد عن الفلاسفة فهي
تريد أن تصاهرها وتشكل معها جوهر العلمية (ضمير المتكلم ص)59
الغالب في الأمر أن الضمائر تنحني كلّما ظهر
السردية. المتكلم أو ضميره الذي ينوب عنه في شخصيات
عندما نقترب جيّدا من عالم الأدب وننظر إلى تلبس أقنعة متعددة ،وتستعين بخطابات متجددة
الشخصيات من منظور علماء النقد وفي تصور تظهر حقيقة البيانات التي يريدها الآخر ،لأنه
في المقابل اعتاد سماع أصوات تحدث ضجي ًجا
المجتمع ماذا نلاحظ يا ترى؟ ثم تختفي ،غير أن ضمير المتكلم يحدث أصوا ًتا
نتوصل إلى فرضيات توحي بأن الشخصيات ولا يزعج الحضور ،بل هو مطالب بالظهور لا
مت ِّغيرة الطباع متفاوتة المزاج تجمع بين السمع، التخفي ،ولهذا جاءت الرواية في قالب جديد متعدد
البصر والشعور ..ربما ستكون هذه الفرضيات الأصوات ،متنوع الخطابات ،Discoursعمد فيه
احتمالات طرحتها الفلسفة في كثير من أسئلتها الروائي إلى استحضار شخصيات متعددة الوجوه
الملغمة والمتراكمة واللامتناهية ،لكنها لم تجعلها
داخل أسوارها ،بل حرمتها حتى من الوقوف وضمائر تنسج دائرة بأبعاد مكانية شاملة.
أمام أبوابها من منطلق أن الفلاسفة ينطلقون من
أرضية تعتمد على التأمل وكثرة الأسئلة ،فهم اعترافات مدن الممكلة وسكانها:
يرون أن البصر والسمع والشعور مجرد حواس
لا يستعملها الفلاسفة بقدر ما يجعلونها قفازات الأماكن /الضمائر /الشخصيات /الأصوات..
مثل المرايا ح ّمالة أوجه.
تصنع أحداث ضمير المتكلم.
لنعد مرة أخرى إلى اليوتوبيا التي هندسها يغرينا في هذا المقام أن نتساءل عن هذا المكان
التاريخ من منظور سكان الرواية العالقين خارج الذي تعتمل فيه هذه الضمائر التي هي أرواح
أسوارها ،لأنها لم توفر لهم الأمن وحرمتهم من شاردة نقاها المكان عن هدأتها ،ولم تجد لها مكا ًنا
ل ّذة العيش مع باقي الضمائر الأخرى التي وجدت