Page 36 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 36

‫العـدد ‪32‬‬  ‫‪34‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

        ‫يعود صديقي لطرح الأسئلة التي تؤرق ُه‪:‬‬        ‫الدخول إليها لمعرفة سر جودتها لا الوقوف على‬
 ‫‪ -‬ما هي الأحداث التي أثبتت جدارة التاريخ بها؟‬        ‫أسوارها وترقب سكانها‪ ،‬ولأن التاريخ يرفض‬
 ‫‪ -‬هل يمكن القول إن الجزائر تاريخ لمن لا تاريخ‬      ‫السكوت والنظر من بعيد خارج المكان‪ ،‬فهو بذلك‬
                                                   ‫يعاتب الشخصيات التي لا جدوى منها‪ ،‬ويرى أن‬
                                            ‫له؟‬       ‫الحياة خارج التاريخ يتطلب إعادة بناء منظومة‬
    ‫جدير بالقول إن سكان الرواية يرفضون هذا‬            ‫سكانية جديدة ترى أن التاريخ خطاب مزدوج‬
     ‫الكلام‪ ،‬ويراهنون على ضرورة وجود تاريخ‬         ‫الجنسية ُيقرأ وفق معايير يقترحها سكان الرواية‪.‬‬
‫يثبت هوية هؤلاء الأفراد الذين شاهدوا الأحداث‪،‬‬        ‫لا يزال صديقي يقرأ وينصت حين أتحدث لكنه‬
  ‫وشاركوا في اللُّعبة القتالية التي فرضها التاريخ‬     ‫يخالفني الرأي ويقول إن التاريخ ليس مزدوج‬
   ‫تحت ضغط المستعمر‪ ،‬لذلك نجد سكان الرواية‬
 ‫ينتقلون بين الأرصفة‪ ،‬ويتوقفون حين يبدأ نظام‬                           ‫الجنسية ويرفض فرضيتي‪.‬‬
‫الكلام بين الأمكنة التي تقص على مسامع السكان‬
   ‫الأحداث التي عاشتها والخطابات التي أشعلت‬           ‫مشكل القراءة وفاعلية الخطاب‪:‬‬
  ‫نار الثورة‪ ،‬من منطلق أن الحرب تيمة الشعوب‬
 ‫التي تريد غايتها‪ ،‬وبلوغ ذروة الانتصار‪ ،‬ولأنها‬     ‫سكان الرواية يعيشون داخل حيِّز جغرافي مدجج‬
 ‫ترى في السلم والمصالحة الوطنية شعارات براقة‬        ‫بالخطابات كمخلفات استعمارية تراهن بضرورة‬
‫ظاهرها الهدنة والسلم ‪ ،Paix‬وأصروا على الحرية‬
 ‫الكاملة بعد الصراع‪ ،‬لأنها تضمن لسكانها البقاء‬          ‫الحفاظ على نسل المستعمر‪ ،‬وتص ّر على جعل‬
                                                       ‫التاريخ حقيبة فارغة تحمل شعارات جوفاء لا‬
                                ‫وللتاريخ النقاء‪.‬‬     ‫أساس لها من الفاعلية‪ ،‬لذلك نلاحظ شخصيات‬
  ‫«لاحظت هذا في التسعينيات‪ ،‬كانت هنالك قسوة‬           ‫الرواية وضمائرها ترفض هذا الاقتراح‪ ،‬وتفتح‬
  ‫كبيرة تعامل بها مع الأزمة الأمنية رجال الدولة‬        ‫دائرة البحث عن المغلول وسط ركام الأحداث‪.‬‬
   ‫الفاعلون (كبار العسكر والأمن)‪ ،‬والمشكلة هي‬           ‫في سلسلة من الأسئلة التي اقترحها صديقي‬
   ‫أنهم يعتقدون ذلك القدر من القسوة الذي عبر‬           ‫حول التاريخ‪ ،‬والأحداث التي شهدتها الجزائر‬
                                                   ‫قبل سنة ‪1956‬م‪ ،‬والتي تشير إلى كمية الخطابات‬
                              ‫عنه كبيرهم قائ ًل‪:‬‬   ‫الملفقة تحت شعار الديمقراطية التي لا جدوى من‬
       ‫مستعد لقتل ثلث المواطنين إذا تطلب الأمر‬     ‫وجودها وسط سكان الرواية باعتبارهم نسل آدم‬
    ‫ذلك‪ ،‬هذا الجنون يعتبرونه نو ًعا من الصرامة‬
   ‫الضرورية لنجاعة العسكري‪ .‬يعتبرونه النظام‬                           ‫الذي حرم من دخول التاريخ‪.‬‬
       ‫العادي للأشياء‪ ،‬يسمونه إكراهات المهنة»‪.‬‬
   ‫(الرواية‪ :‬ص‪)234‬‬
 ‫سكان الرواية يقفون‬
  ‫عند الأمكنة الرمزية‪،‬‬
‫ويعددون الشخصيات‬
     ‫التي أراد التاريخ‬
       ‫نسيانها‪ ،‬وعمل‬
  ‫المستعمر على تشويه‬
  ‫قيمتها‪ ،‬نجد السارد‬
 ‫يستحضر شخصيات‬
   ‫متعددة ‪plurielles‬‬
‫‪ personnes‬وأصوات‬
       ‫مختلفة متكررة‬
     ‫في أجزاء الرواية‪،‬‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41