Page 37 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ربما جاز لنا القول إن الشخصيات في هرم وبحكايات شبيهة بعالم شهرزاد التي تجعل
الرواية تشكل دائرة توشك على الانغلاق فيما المتلقي دائ ًما يطلب المزيد ،لذلك يمكن أن نختصر
نحن نقرأ الرواية ،لكنها ترفض هذا الاقتراح ،بل ضمير المتكلم تحت عنوان «ألف ضمير وضمير».
تترك باب الدخول إليها مفتو ًحا ومستم ًّرا ،لأن
توالي الشخصيات ودخولها إلى هذه الدائرة يشكل تستوقفنا في هذا المقام شخصيات لبست قناع
جمهورية يعول عليها ،لذلك نلاحظ أن مسار التمرد ،وأظهرت وجودها وتحدثت بلسان
الرواية يرفض الانتهاء ،بل نجد هناك تسار ًعا في
الأحداث والخطابات بين سكان الجمهورية حفا ًظا صريح في أجزاء الرواية ،يمكننا جلب بعض
سكان الرواية إلى عالمنا :الشيخ /زهور /نجيب
على وصايا التاريخ لأولاده. محفوظ /المصور /السينمائي ..كلّها ذوات فضلت
«كان السيناريست الأساسي عز الدين هذا
شخ ًصا غريب الأطوار بشكل مريع ،كنت أداعبه الكلام ورفضت السكوت الذي لا جدوى من
ورائه ،لأنها أدركت معنى الوجود في غياب حقيبة
مسميًا إياه تشينيتشيطا»( .ص)251 تحمل حقائق التاريخ ،هذا معناه أن الحياة مسيرة
«قالت لي :فيه شيء يتكلم إلى الأجيال القادمة
حافلة بالأحداث التي لا ينبغي أن تكون القطيعة
ليس فنيًّا أنا والشيخ محمد». بينهما ،صديقي يطرح الأسئلة مرة أخرى:
الشيخ محمد هو معتوه التاريخ ،هذا أي ًضا يا
الشيخ كان فيه شيء يتحدث إلى جيل آخر ..جيل -هل استطاع سكان الرواية إحداث نقلة نوعية
وهمي لا هو من الماضي ،ولا هو من الحاضر». داخل هرم الأحداث؟
(ص)252 -ما هو دور التاريخ في حياة الشخصيات؟
كلّما عدنا إلى سكان الرواية وأقمنا معهم حوا ًرا يستمع صديقي إلى حديث الشخصيات وهي
تتناوب في الحديث ،وتفتح المجال للتعبير عن
حول دور الشخصيات في بناء هرم التاريخ؛ جزائر الأمس التي شهدت صراعات متنوعة
يجيب أحد الأشخاص :تصور تاري ًخا خاليًا تما ًما داخليًّا وخارجيًّا ،على اعتبار أن سكان الرواية
أبناء الجزائر عاشوا الأحداث وصارعوا الحرب
من الأحداث ،ومن الشخصيات تراه سيكون مع ذواتهم وأعدائهم ،لذلك نجد شخصية بارزة
كوميد ًّيا أو تراجيد ًّيا؟ في العمل الروائي وهي شخصية «الشيخ» تخاطب
الضمائر بصيغ مختلفة ،وتنشر خطابات مح ّملة
يشير هذا الصديق مرة أخرى إلى التراجيديا بخلفيات ،في المقابل تنصت إلى باقي الشخصيات
المبنية على الصراع وكأنه يربط التراجيدي المبني
على ح ّدة المشاهدة بالأحداث التي تواجه ضمير وتتعاطف معها.
المتكلم ،ليغيب هذا الضمير أحيا ًنا ،ويترك المجال شخصية «الشيخ» في ثقافتنا ح َّمالة أوجه ،تحمل
أدوا ًرا كثيرة ومتنوعة ،فهو شيخ القبيلة وإمامها،
لضمائر أخرى تريد الكلام لا الإصغاء ،لأن
التاريخ لم يشاطرهم الرأي ،وح ّد من نصيبهم في رب الأسرة الذي لا مهرب من كلامه ،سائق
الحديث ،ربما نحن كقراء نضيف وقتًا آخر لباقي الخطابات وموجة النّاس ..لهذا نجد دوره بين
سكان الرواية محور ًّيا يقدم الوصايا وينصت
الضمائر ،ونعطيها فرصة للحديث مرة أخرى،
في الغالب سيكون حوا ًرا متشاب ًكا ،وأحاديث للجمهور.
متمخضة من رحم الثورة ،لأن الحديث عن «زهور» تمثل إحدى نساء الجزائر ،عانت بكل
الأشكال الممكنة من منظومة مجتمعية تعادي
الجزائر يتطلب لحظات طويلة تفتح أمام الضمائر الإنسان مرة ،وتعادي المرأة ألف مرة .زهور
وتشجعهم على إلقاء خطاباتهم بعي ًدا عن أعين تنتهي بالتحول إلى رجل بشكل ما؛ سيدة أعمال
الأطراف الأخرى. مشبوهة فاسدة تجري وراء المال وتلغي العاطفة
تما ًما من وجودها .ولربما تمثل زهور الجزائر
سكان الرواية يمثلون نموذج المجتمع الجزائري التي وقعت في لحظة ما في صراع داخلي وخارجي
الذي جمعهم الحدث وفرقهم الحديث ،هم في
أدى في نهاية الأمر إلى التشظي والخراب.
الحقيقة ضحايا التاريخ يبحثون على مكان فاضل
للعيش