Page 18 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 18
العـدد 32 16
أغسطس ٢٠٢1
لهذا فإن شخصيات الفايح المخبر والمصور
والسينمائي وزهور ودلال ومحمد المؤرخ وأبي
بن سلالة و»ذو الكأسين» وغيرها ،شخصيات
تعيش على حافة عالم واقعي مأزوم ،سرعان ما
يرشح إلى الداخل مخلِّ ًفا جرا ًحا عميقة ،كانت سببًا
في ممارستها للحكي ،نعم فكل حكاية من حكايات
هؤلاء بمثابة جرعات للتخفيف من هذا الوضع ،أم ًل
في الشفاء النهائي .هي حكايات الذاكرة ليس ضد
النسيان ،بل هي كذلك من أجل النسيان.
الرواية وتفتيت التاريخ:
تستحضر الرواية مجموعة من السياقات واللحظات
التاريخية المرتبطة بجزائر ما بعد الاستقلال،
أين يتم الربط بينها وبين الشخصيَّات الفاعلة في
البرنامج السردي ،فهي تشتغل على فضاء زمني
يجمع بين محطات مفصلية في تاريخ الجزائر،
وصو ًل إلى لحظة العنف الذي ساد البلاد فيما
يعرف بالعشرية الحمراء ،لما رفع شعار الأخوة
الأعداء الذي خلَّف بدوره إنسا ًنا مجرو ًحا يحتاج
إلى عقود للشفاء.
تع ُّد هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الجزائر المعاصر
موضو ًعا أساسيًّا في هذه الرواية ،ويتجسد ذلك من
خلال إعادة تشكيل الخطاب حول ظاهرة العنف.
بيد أن الرواية لا تنخرط بقوة في هذه السردية،
كما هو حال الروايات الجزائرية التي اشتغلت على
هذه التيمة .بل نجد أن الروائي قد تحمل مسؤولية
الحفر السوسيو -ثقافي في مختلف السياقات التي
مهدت لمرحلة التسعينيات .كما أنه حاول التنويع في
النماذج البشرية التي عاشت الوضع دون أن نلمس
انتصا ًرا منه لنموذج بعينه ،بل نلاحظ أنه يكتفي
بتشكيل المعالم المحورية التي تحد سرديات هذه
النماذج.
وتسجل الرواية مواقف معينة من هذه اللحظات
التاريخية مستندة في ذلك إلى مخزون معرفي ثري
كان له دور أساسي في تشكيل عوالمها الخاصة،
فبواسطة اللجوء إلى فكرة التمثيل représentation
تم خلق وضعيّات سرد ّية مرتبطة بمصير الفرد
والإنسان الجزائري ضمن مسار زمني متسلسل
ومرتبط تاريخيًّا ،رغم أن الرواية تستعمل تقنيات