Page 74 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 74

‫العـدد ‪32‬‬                         ‫‪72‬‬

                                                              ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

‫محمد داود‬

‫حسن ونعيم‬

      ‫ولماذا لو؟! هو داس دجاجة‪ ،‬والشيطانة قاقت‪،‬‬        ‫خرج نعيم من داره‪ ،‬وقف يجهز البردعة على ظهر‬
‫فلبوا‪ ،‬في يوم كان مقداره مئات الشهقات‪ ،‬والبصات‬        ‫حماره الشهير بأبي حلس‪ ،‬وعينه مسلطة على جاره‬

    ‫المشمئزة‪ ،‬والبصقات والنبابيت المتحفزة للهطول‬            ‫حسن الجالس خلف مقود سيارته العطلانة‪.‬‬
  ‫عليه إن أبطأ في الإقرار بخطئه‪ ،‬ورعونته‪ ،‬وقيادته‬       ‫قال نعيم في نفسه‪« :‬ذلك هو حال الدنيا العجيب‪،‬‬
‫بطريقة غير مبالية بالغير‪ ،‬وممتلكاتهم‪ ،‬يومها أسرع‬         ‫ناس لها الشقاء وناس لها النعيم‪ ،‬وأنت يا نعيم‬
                                                      ‫اسم على غير مسمى‪ ،‬لك الشقاء‪ ،‬وهذا المدعو جارك‬
      ‫فاتفق‪ ،‬أي أسرع بالموافقة على الإقرار بالذنب‪،‬‬
     ‫والتعويض عن الدجاجة كما عن خروف‪ ،‬ورغم‬                 ‫حسن لا سيارة في البلد إلا سيارته‪ ،‬انظر إليه‪،‬‬
    ‫التعويض شيعوه رف ًسا بالأعين‪ ،‬كأنما بالأرجل‪.‬‬      ‫ذلك القصير‪ ،‬وتد الأرض‪ ،‬وشوكتها في قلبك‪ ،‬انظر‬
     ‫وفي نفسه يقول نعيم عن حسن‪« :‬ثم هو عندما‬           ‫كيف يجلس خلف زجاج السيارة منفو ًخا بالكرش‬
  ‫يركب تلك السيارة‪ ،‬لا يخيفه ظلام الليل ولا كلاب‬      ‫والراحة والدفء في هذا البرد؟! خيبة عليك يا نعيم‪،‬‬
 ‫الليل‪ ،‬يحتمي بجدرانها من الكلاب التي تطول رجلي‬
    ‫وأنا فوق الحمار‪ ،‬يتعمد السير في السكة الكبيرة‬                       ‫وعلى اسمك الذي يسخر منك»‪.‬‬
  ‫بكل مشوار دائ ًرا حول البلد؛ ليمر على حقلي‪ ،‬يزمر‬    ‫المطر غزير‪ ،‬يكاد لا ينقطع منذ بدأ الشتاء‪ ،‬والأرض‬
   ‫في أذني ويعفر في عيني‪ ،‬ويسبقني في عودتي على‬
   ‫عربتي المتخلعة بحماري الأجربين أبي حلس وأم‬                                                ‫موحلة‪.‬‬
                                                        ‫خلف زجاج سيارته الذي يسيل عليه المطر‪ ،‬جلس‬
                                        ‫حلس»‪.‬‬        ‫حسن ينظر إلى نعيم بعينه المدورة الواسعة كفانوس‬
 ‫ويقول حسن لنفسه‪« :‬لو أني مشي ُت في أي مشوار‬           ‫السيارة‪ ،‬قال في نفسه‪« :‬كالعادة تعطلت مخروبتك‬
 ‫تار ًكا تلك السيارة لكان أفضل‪ ،‬ولو أن عندي حمار‬
                                                           ‫المسماة سيارة‪ ،‬والجميع في حقولهم‪ ،‬ثم لو أن‬
    ‫كأبي حلس الذي عند نعيم‪ ،‬لكان أيسر وأجدى‪،‬‬           ‫الأرض غير موحلة والسيارة سليمة‪ ،‬فكيف تسير‬
   ‫وأنسب في هذا البلد بطرقاته ووحله وغباره‪ ،‬ذلك‬       ‫بها في طرقات البلد الملتوية‪ ،‬المتقاطعة‪ ،‬الضيقة كأثر‬
   ‫الحمار أبو حلس تضيق الطرقات ولا يبالي‪ ،‬يقطع‬
‫المسافات بأرجله الصلبة إلى أي مكان‪ ،‬وفي أي طين‪،‬‬           ‫الدود في المش‪ ،‬والموحلة في الشتاء‪ ،‬بها تلف من‬
                                                         ‫بعيد إلى ما هو قريب‪ ،‬وكل خطوتين تحتاج زقة‪،‬‬
     ‫حوافره ضد الصخر والمطر‪ ،‬رشيق كعصفور‪،‬‬              ‫فإذا سارت‪ ،‬بقي َت مبر ًقا مترقبًا كمن ينتظر سقوط‬
 ‫يعرف طريقه وفوقه نعيم الأرزل‪ ،‬يغفو ويقوم‪ ،‬أما‬        ‫السيف على عنقه‪ ،‬ومشرئبًا تحف ًزا لأي عط ٍل يوقفها‬
                                                     ‫أو يبطئها حيث يجب الإسراع‪ ،‬أو ولد يخرج كشهاب‬
                 ‫أنا فلو غفلت ولم أنتبه لجدار؛‪.»...‬‬
 ‫ولماذا لو؟! هو لم ينتبه لجدار دار إسماعيل الناوي‪،‬‬          ‫مارق من حيث لا تدري‪ ،‬وفي الصيف يخنقك‬
                                                         ‫الغبار‪ ،‬وترفعك الحفر والمرتفعات وتهبدك‪ ،‬حتى‬
                                   ‫وكان يو ًما‪...،‬‬    ‫تئن الأكتاف والأرداف‪ ،‬ويئز الظهر والعنق‪ ،‬وآه لو‬
‫تلتقي عيون حسن ونعيم في منتصف المسافة بينهما‪،‬‬
                                                                                  ‫ُد ْس َت بطة أو إوزة»‪.‬‬
   69   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79