Page 78 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 78

‫العـدد ‪32‬‬  ‫‪76‬‬

                                                         ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

   ‫فوجئ نعيم بالعلاج غير المتاح؛ لأن لبن أم حلس‬          ‫وارتطمت المعيز بالزجاج الخلفي‪ ،‬وقع البرسيم مرة‬
     ‫جف بعد فراقها لأبي حلس‪ ،‬وكان يخدع حسن‬                ‫أخرى‪ ،‬وعرف نعيم باستعمال دماغه مكا ًنا يدوسه‬
‫فينفذ الاتفاق بلبن جاموسي‪ ،‬نسي نعيم فور سماعه‬              ‫فتتوقف السيارة فجأة‪ ،‬وآخر يضغط عليه؛ فتزمر‬
    ‫سلامه يصف العلاج‪ ،‬وفلت اللسان الخوان أمام‬
  ‫الناس أولاد الحلال الذين حضروا الاتفاق والملحق‬             ‫السيارة وتسرع أم حلس كأن الكرباج يلسعها‪.‬‬
                                                          ‫بالبوق زادت حلاوة السيارة في ناظري نعيم اللذين‬
                     ‫الإضافي‪ ،‬نطق نعيم ببساطة‪:‬‬           ‫يرسلهما إلى حسن عبر سور ونافذة المندرة‪ ،‬ويزمر‬
‫‪« -‬جف لبن أم حلس من يوم المبادلة‪ ،‬هل ينفع اللبن‬
                                                                                  ‫بيب بيب‪ ،‬فيغتاظ حسن‪.‬‬
                                   ‫الجاموسي؟!»‬                   ‫دفع الغيظ حسن ليتحامل على قيود سلامة‬
            ‫ارتفعت أصوات أولاد الحلال الغاضبة‪:‬‬               ‫المجبراتي‪ ،‬أقام نفسه رغم كرشه والألم‪ ،‬وتجمع‬
‫‪« -‬كيف تخدعنا يا نعيم؟! ألم نحضر الاتفاق؟! وماذا‬           ‫العيال في الزنقة؛ ليشهدوا اعتلاءه ظهر أبي حلس‬
                                                         ‫كإعلان عن الشفاء‪ ،‬لكن أبا حلس رفض أن يتحرك‪،‬‬
                          ‫كنت تعطي لحسن؟!‪.»..‬‬                ‫حتى أن ذيله لم يهتز رغم زعقات حسن بالشي‬
  ‫جرى أحدهم ليخبر العمدة‪ ،‬وضبط سلامة نظارته‬
                                                                                                  ‫والحا‪.‬‬
                                          ‫قائ ًل‪:‬‬         ‫بحث حسن عن المكان الذي يضع فيه البنزين لأبي‬
        ‫‪« -‬طب ًعا لهذا لم يتم شفاء حسن لحد الآن»‪.‬‬          ‫حلس‪ ،‬وضع البنزين في دلو أمامه‪ ،‬ق َّرب أبو حلس‬
‫ابن حلال آخر مال على أذن حسن وأخبره بما حدث‪،‬‬              ‫فمه وأبعده‪ ،‬وقربه وأبعده‪ ،‬ثم لم يقربه ولم يبعده‪.‬‬
 ‫وآخرون انتشروا بالخبر في كل اتجاه‪ ،‬نهض حسن‬
  ‫من قيلولته تحت شجرة بعي ًدا عن الزنقة وأتى من‬              ‫انخلع باب السيارة‪ ،‬تقطعت المقاعد‪ ،‬نحر الطوق‬
    ‫فوره يعرج‪ ،‬ولولا أولاد الحلال‪ ،‬ورجله وكرشه‬            ‫رقبة أم حلس‪ ،‬ونحر فراق أبي حلس قلبها‪ ،‬أعمتها‬
                                                          ‫الأفكار السوداء‪ ،‬ومنظر أبي حلس بالذباب المزدحم‬
                  ‫يحجزونه‪ ،‬لهجم على رقبة نعيم‪.‬‬           ‫حول قيح ينز من تقرحات انتشرت في جسده‪ ،‬الت َّفت‬
‫انعقد مجلس عاجل بالزنقة أمام داري حسن ونعيم‪،‬‬               ‫رجلها على رجلها‪ ،‬فاصطدمت بالسيارة في شجرة‬

                           ‫أحد أولاد الحلال قال‪:‬‬              ‫جميز ضخمة‪ ،‬وكشف الغطاء الأمامي للسيارة‬
  ‫‪« -‬نف ُّضها‪ ،‬هذا يأخذ سيارته‪ ،‬وهذا يأخذ حماره»‪.‬‬          ‫عن الخراطيم‪ ،‬شد نعيم أحدها‪ ،‬سال زيت فأوقف‬
                                                          ‫نعيم تدفقه وأحضر الطاجن الكبير وقال‪« :‬هذا لبن‬
     ‫شخط العمدة في القائل‪ ،‬راف ًضا اقتراحه‪ ،‬وألقى‬
 ‫شيخ البلد نظرة ذات معنى تلقفها أحد الكبراء الذين‬                                              ‫السيارة»‪.‬‬
‫يفهمون ولع العمدة مولع بمجالس التحكيم ومناقشة‬              ‫شرب نعيم من طاجن لبن السيارة‪ ،‬وأمسك بطنه‪،‬‬
‫الخلافات‪ ،‬وعقد الاتفاقات‪ ،‬والإضافة إليها بمزيد من‬         ‫تمرغ في الأرض كأبي حلس في شبابه‪ ،‬تهاوت إليه‬
  ‫الملاحق والتعقيدات والاشتراطات‪ ،‬ولعله يحزنه ألا‬          ‫الناس أولاد الحلال‪ ،‬حملوه إلى الزنقة ليتهلل قلب‬
                                                          ‫حسن‪ ،‬وحضر سلامة‪ ،‬وهمهم وقال بعد التفعيص‬
   ‫يحدث خلاف يتطلب حضوره‪ ،‬وعقبات وخلافات‬
‫تستلزم تدخله في الخطوات العملية لتنفيذ الاتفاقات‪،‬‬                                          ‫في جسد نعيم‪:‬‬
 ‫وفيما هم في مناقشات حامية‪ ،‬علا صوت من جانب‬                  ‫‪« -‬يلزمك يا نعيم كوب من لبن الحمير كل يوم‪،‬‬
                                                          ‫تشرب نصف قدح كل صباح وتكب النصف الآخر‬
                                         ‫الزنقة‪:‬‬
                 ‫‪« -‬الحمار مات‪ ،‬أبو حلس مات»‪.‬‬                 ‫وسط الدار قبل غروب الشمس الصفراء خلف‬
   ‫التف َت الجميع‪ ،‬وتجمعوا‪ ،‬أحاطوا بجثة أبي حلس‪،‬‬                                       ‫الحقول الخضراء»‪.‬‬
   ‫أمطروها بالشهقات‪ ،‬وضربات الأكف في بعضها‪،‬‬
          ‫ومصمصات الشفاه‪ ،‬والتمتمات الحزينة‪:‬‬              ‫هذا هو العلاج الذي يصفه سلامة بعد تفكير عميق‬
     ‫‪« -‬لا إله إلا الله»‪« ..،‬لا حول ولا قوة إلا بالله»‪.‬‬    ‫لكل من يتولى علاجه في البلد؛ لكن ذلك لا يعني ألا‬
     ‫وهجم صوت آخر أتى من خارج الزنقة زاع ًقا‪:‬‬              ‫ينتظروا أن يقرر هو العلاج ذاته‪ ،‬وألا يلتزموا به‪،‬‬
     ‫‪« -‬أم حلس أخذت السيارة وقفزت في المصرف‬                ‫بل لم يلحظ أحد أنه هو العلاج ذاته الذي لا يتغير‬

                                        ‫الكبير»‪.‬‬                                          ‫لجميع الحالات‪.‬‬
   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82   83