Page 77 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 77
75 إبداع ومبدعون
قصــة
يعوض غياب أبيه ،ثم ها هي تحمل دواء حسن في وجيعته داخل المندرة ،وبعد التصايح والتصارخ
الحلمات السود. سكتوا فقط ليركزوا الأسماع والأنظار مع سلامة
ويمضي حمار الزمان المجبراتي ،تمرجي الصحة.
ليس فقط أن السيارة لم تأكل البرسيم الذي ق َّدمه وجوه الناس المتزاحمة تجاورت فصنعت قبة على
نعيم لها ،أو أن الكرباج لا يفلح معها ،الذي يغيظ حسن وسلامة المجبراتي ،ضغط سلامة رجل حسن،
نعيم غي ًظا أصليًّا أنه لم يعرف كيف يزمر بها في أذن فتزايدت آهات حسن ،وهمهم سلامة ،هز رأسه
هزهزات العلم والإحاطة ،وه َّب واق ًفا من انحنائه
حسن. وتفعيصه في رجل حسن المكسورة ،تقطعت القبة
ورقد حسن على ظهره ،فوق الكنبة وتحت كرشه إلى أجزاء غير متماثلة من الوجوه ،ضبط سلامة
وغيظه وشباكه المفتوح على الزنقة ،يشرب أنصاف نظارته المدخنة الملحومة في ثلاثة مواضع ،والمربوطة
أكواب من لبن الحمير ويسكب الأخرى وسط بأستيك متسخ ،وأدار دماغه ،وقد أحاطته حفر
الدار قبل مغارب الشموس الصفراء خلف الحقول كهفية معتمة في كل وجه ،أوسعها الأفواه الفاغرة.
الخضراء ،ويعض الشباك والوسائد والهواء قال سلامة:
والأربطة التي قيَّده بها سلامة ،مع كل شي وحا « -الشفاء بالدواء يا حسن ،فالدنيا أسباب ،والسبب
هذه المرة لبن الحمير ،تشرب نصف قدح كل صباح
وطرقعة كرباج في الهواء من نعيم. وتكب النصف الآخر وسط الدار قبل غروب الشمس
بكت أم حلس ،أبكت صديقتها أم ُحليس ،خزانة
الصفراء خلف الحقول الخضراء».
الأسرار وواحة البوح ،قالت لها: هذا ونعيم المحبوس في السيارة ،يواصل محاولاته
« -ليس لنا أيدي نمدها لأعيننا ،نحن الحمير لا لفتح الباب ،ثم تراجع للخلف كالكبش ،ونطح الباب،
نعرف كيف نمسح دموعنا ،جف لبني ،والفراق مثل
سوس التبن سارح في فؤادي ،أما الذي يذبحني ح ًّقا فانفتح في رأسه جرح سال منه دم غزير.
وافق حسن على تعليم نعيم كيف يفتح باب السيارة،
فهو أن حسن لا يقدم الطعام لأبي حلس». وفد المفاوضات غير المباشرة رأى إحدى عيني حسن
وضع نعيم طو ًقا في عنق أم حلس وربط فيه الأحبال
مغلقة ،والأخرى مفتوحة وفوقها حاجب يرتفع
لتجر السيارة ،بعد محاولات فاشلة لقيادتها ،أو كأنما يجتهد في رفع الجفن العلوي ،وسمعوه يقول
حتى جعلها تدور فتزمجر بأعلى صوت وهي واقفة
من رقاده على الكنبة ،وقد انقطع أنينه مؤقتًا:
ليغيظ حسن ،وذات صدفة ،داس نعيم دون قصد « -بشرط كما سأعلمه فتح باب السيارة ،يعلمني
على الفرامل ،توقفت السيارة وانجذبت أم حلس
كيف آخذ اللبن من الحمار»(.)2
فجأة ،انكفأ نعيم على المقود ،فشج رأسه ،ولم تكن والدم الناشف يغطي نصف وجهه ،وافق نعيم
بطحة يوم المبادلة قد التأمت بعد ،اندفعت على نعيم أن يعطي لحسن اللبن من أم حلس ،هكذا نجحت
المعيز التي يحملها معه في المقعدين الخلفيين ،ووقع
المفاوضات برعاية العمدة وتوجيهاته.
البرسيم من فوق السيارة التي زمرت بيب حين وفرح العمدة حين أُبلغ بنجاح المساعي بين الطرفين
داس دون قصد كذلك على زر البوق. في إضافة ملحق إضافي لاتفاق المبادلة ،أتى بنفسه،
تلهى نعيم عن البطحة الجديدة برأسه ،و َف ِر َح يحمل عمامته وعصاه وغرامه بعقد الاتفاقات
باكتشافه كيف يجعل السيارة تزمر ،نزل يبحث وشهود المجالس والقعدات ،وضمن سيادته الملحق
عن سبب التوقف المفاجئ ،لم يجد حفرة ولا حج ًرا
أسفل السيارة ،أعاد وضع البرسيم فوقها ،وجلس الإضافي.
خلف المقود ُيزمر« :بيب بيب» ،فيما رجله بلا قصد أح َّس نعيم بالسرور أن أعطى ل َح َسن أبا حلس،
على الفرامل ،اعتدلت أم حلس ،وعادت تشد السيارة، واحتفظ هو بأم حلس ،يختفي ال َح َول من عينه كلما
لم تتحرك السيارة ،ه ّم نعيم بالنزول من جديد أطال النظر من نافذته إلى عظم أبي حلس الناتئ،
ليرى ماذا يمنع الحركة ،رفع رجله من فوق الفرامل وقرحة الساق الخفية ،أم حلس تلد ،ستأتي بجحش
فاندفعت السيارة للأمام ،ارتطم بمسند المقعد