Page 279 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 279

‫‪277‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫سيرة‬

‫شارل فيرلو فيروز‬                                             ‫رسلان عامر‬         ‫من غدر هؤلاء الذين قد غابت عنهم‬
                                                                                                     ‫سوريتهم‪.‬‬
           ‫عرقك أو دينك أو حتى شكل‬          ‫حتى تغدو كلمة وطن متناهية في‬
           ‫وجهك‪ -‬أنك الوطن‪ .‬فيعتريك‬         ‫الصغر أمامه‪ .‬تلك البيضة الخلية‬            ‫لم تتبلور فكرة الوطن عندي‬
          ‫شعور العودة إلى الوطن الكلي‬                                               ‫بوج ٍه محد ٍد‪ ،‬حتى بعد سفري‬
      ‫الضائع منذ خروج آدم وحواء من‬              ‫في أحشائي غدت كل الأكوان‬
       ‫الجنة‪ .‬كما يقول محمود درويش‬         ‫والمجرات‪ ،‬لكن درب التبانة منت ٍه لا‬        ‫إلى روسيا حيث كان زوجي‬
         ‫«أعدي لي الأرض كي أستريح‪..‬‬        ‫محالة؛ بمجرد قطع الحبل السري‬                ‫في دورة تدريبية في جامعة‬
                                           ‫تدرك أن هذا الوطن يهجرك باحثًا‬
               ‫فإني أحبك حتى التعب»‪.‬‬                                                      ‫موسكو‪ ،‬لكن لم أحصل‬
        ‫وطن لا عودة منه‪ ،‬ولا راحة بعد‬        ‫عن وطنه أي ًضا‪ .‬وتكرارنا بخلق‬           ‫يومها سوى على فيزا لسانت‬
        ‫فقده‪ .‬يعيدك إلى ضياعك وبحثك‬         ‫أوطان ثانية داخل أرحامنا ليست‬
                                          ‫سوى محاولات بائسة لإيجاد وطن‬                  ‫بيترسبرغ‪ ،‬فكانت إقامتي‬
           ‫الأول عن وطن‪ ..‬مع اختلاف‬        ‫لا يترك أرواحنا عارية أمام صراع‬            ‫في موسكو غير شرعية‪ .‬كان‬
           ‫شاسع أنك تدرك الآن ما هو‬                                                  ‫ُيطلب منا أحيا ًنا إبراز أوراقنا‬
                                                             ‫على الأوطان‪.‬‬              ‫الثبوتية على أدراج محطات‬
                              ‫الوطن‪.‬‬         ‫وفي لحظة يأس‪ ،‬تفقد الأمل بأي‬             ‫مترو الإمبراطورية الروسية‬
         ‫فيما كان أقصى حدود وطني‪..‬‬          ‫وطن يحتوي أحمالك وقد أضناك‬               ‫الغابرة؛ كوننا كنا هناك ُبعيد‬

                            ‫رداء أمي‬            ‫البحث‪ ،‬يأتيك على غفلة وطن‬                ‫انهيار الاتحاد السوفيتي‬
                                            ‫يحمل أمتعة روحك المثقلة بالتعب‬               ‫وكان هناك انفلات أمني‪.‬‬
                       ‫هامش‪:‬‬              ‫والترحال‪ ،‬عندها تتنفس بعمق غير‬             ‫لكن لا أحد يوقفني‪ ،‬بينما يتم‬
                                          ‫مصدق وغير مدرك‪ .‬تستنشق ملء‬               ‫إيقاف زوجي في كل مرة نخرج‬
     ‫‪https://www.suwar-magazine.org/arti‬‬     ‫روحك عبق وطن تعرفه منذ بدء‬             ‫فيها‪ .‬وجهي يشبه الروسيات‪:‬‬
     ‫‪D8%A7%D8%B1%D8%85%D9%_1839/cles‬‬        ‫الخليقة‪ .‬وطن خلق من أجلك أنت‬          ‫يقول زوجي‪ ،‬وحين دعانا زميله‬
     ‫‪%84%AA-%D9%D8%A7%D8%B9%AC%D8%‬‬          ‫فقط‪ ..‬ليس إلا‪ ،‬أنت في مكان أخر‪.‬‬       ‫الروسي إلى بيته‪ ،‬تفاجأ بي‪ ،‬كان‬
     ‫‪-85%D9%88%D9%87%D9%81%D9%85%D9‬‬       ‫وط ٍن بديل عن كل الأوطان‪ ،‬يشعرك‬          ‫يعتقد أن السوريات إما يشبهن‬
     ‫‪86%D9%B7%D8%88%D9%84%D9%A7%D8%‬‬          ‫في أي مكان بالعالم ‪-‬ومهما كان‬       ‫شخصيات خارجة من حكاية ألف‬
                                                                                 ‫ليلة وليلة أو من خيمة في صحراء‬
                                                                                 ‫بعيدة‪ .‬مفاجأته جاءت كما مفاجأة‬
                                                                                  ‫أصدقاء أهلي الفرنسين‪ ،‬لا يمكن‬
                                                                                   ‫أن تكون لمى سورية فهي تشبه‬
                                                                                    ‫أطفالنا بشعرها الأشقر المسدل‬
                                                                                  ‫حتى بلكنتها «الفغنسية»‪ .‬وأنا ما‬
                                                                                  ‫عاد لي وجه‪ .‬يمكن أن تلصق بي‬
                                                                                ‫كل الوجوه‪ ،‬كل التهم الموجهة (ضد‬
                                                                                   ‫أو مع) الأوطان غد ًرا‪ ..‬أين أدير‬

                                                                                                   ‫وجهي الآن؟!‬
                                                                                ‫فأصبحت تلح عليَّ فكرة خلق وطن‬

                                                                                   ‫صغير لا نهائي داخلي بعي ًدا عن‬
                                                                                   ‫أوطان تحدها اللغات والثقافات‬
                                                                                 ‫والحروب‪ .‬الأوطان الداخلية يطلق‬
                                                                                ‫عليها اسم الميل الفطري لدى الإناث‬
                                                                                  ‫للإنجاب‪ .‬شعور لا يمكن وصفه‪،‬‬
   274   275   276   277   278   279   280