Page 278 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 278
جان جاك روسو كانت إقامتي في موسكو غير
شرعية .كان ُيطلب منا أحيا ًنا
مسمارية لملحمة جلجامش .لكن إبراز أوراقنا الثبوتية على أدراج
أول ما لقيني مسامير النجار الذي
محطات مترو الإمبراطورية
كان يف ّصل غرفة السفرة ،حين الروسية الغابرة؛ كوننا كنا
صحبني والدي للاطمئنان على سير هناك ُبعيد انهيار الاتحاد
العمل في الورشة .وهناك لم تعجب السوفيتي وكان هناك انفلات
أبي دقة الشغل حيث المسامير التي أمني .لكن لا أحد يوقفني ،بينما
يتم إيقاف زوجي في كل مرة
تثبت الكراسي ظاهرة فقال له
عمي منصور النجار« :لا يكن لك نخرج فيها!!
هم ،سوف أدقهن على أصابعي إذا
لم تكن غرفة السفرة كما تريد!!». عن الفراعنة» .عندها على مضض من قبل زملاء الصف لتمثيل
خرجنا وأنا روحي معلقة بأصابع اخترت موضوع الإلهة الفرعونية صفي أمام لجنة مدرستي الثانوية،
ذلك النجار ،كيف تركه أبي لمصيره وبالتحديد إلهه الموت ،التي ترافق أحضر اجتماعات المدرسين وإدارة
كما ُعذب السيد المسيح و ُدقت الميت في رحلة العبور إلى الحياة المدرسة؛ تلك كانت المرة الوحيدة
رسغاه بصليب الآلام .ضحك أبي الخالدة ،حيث يعبر من اجتاز التي تبوأت فيها منصبًا وطنيًّا ،أنا
ثم غص ملء رئتيه .إننا كنا بغاية
اختبار ميزان الريشة مقابل وزن «الغريبة”.
الصدق والهشاشة أمام مطارق حسناته نهر الحياة (النيل) .ع ِّل ثم طالبتنا ُمدرسة التاريخ الفرنسية
هذا الوطن التي تدق رقابنا بالغش أجد هناك على الضفة الأخرى وطنًا
والكذب والخداع .ومنذ ذلك الحين ينتظرني ،لكن كلما زادت معرفتي، أن نقدم بحثًا عن الحضارات
وقلبي وعقلي في صراع دائم بين القديمة ،وتحمست وقتها وقلت
كلما قل يقيني بإيجاد وطن
نقوش مسمارية لعشتار ضائعة يحضنني .فرنسا وطن عابر ،عبر لها سوف أكتب عن سوريا
في وجداني ومسامير النجار روح ُمراهقة لم تكن مر ِهقة لذويها مهد الحضارات ،ووالدي سوف
رغم ضجيج روحها التي كانت تلح يساعدني بالمراجع .قالت لي« :لا
المنقوشة على أكفي بعد كل مطرقة يمكنك الكتابة عن سوريا ،فهي
على السؤال :من أنا؟! ليست مدرجة في كتاب التاريخ
عدنا إلى ربوع «الوطن» سالمين؛
غنائمنا كتب وأفكار ،وتطلعات أبي القديم لهذا الصف»( .لا أدري
ملء روحي بتلك الأرض المقدسة حتى إن كانت تعرف موقع سوريا
وهؤلاء البشر الخارجين من عبق الجغرافي قبل التاريخي .وقتها لم
الحضارة في أيديهم معول ونقوش
تكن سوريا وطن حروب عالمية)
لكنها استدرك ْت« :يمكن أن تكتبي