Page 72 - merit 52
P. 72

‫العـدد ‪52‬‬                           ‫‪70‬‬

                                                                                         ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

                          ‫محمد الصادق الحاج‬

                          ‫(السودان)‬

                          ‫مجتزأ من‪ :‬كتاب أبيض‬

‫الذهن ِّي ُتني ُره أطوا ٌر من البئر مفتوحة من هناك على‬                          ‫“اذب ْح هذه الجا َّدة”‪ .‬كما لو أنه لم يكن مطمئنًّا هناك‬
  ‫صدره المته ِّدج‪ .‬شغ َفتني منه تلك الخروم وكيف‬                                    ‫على ذلك ال َّرصيف المحاذي للوجود‪ ،‬كما لو أنه لم‬
  ‫َيبيض فيها أبناء التراب محا ًرا أسود وهي أرضي‬                                     ‫يج ِر يو ًما في إحدى تلك المواسير الأمينة‪ ،‬كما لو‬
‫تتَّسع‪“ .‬يا هوائي المزروع في الغروب البور ألا تزهر‬                                ‫أنه ليس عال ًقا ههنا في برميل القمامة الأصفر بين‬
                                                                                    ‫الحافة والغطاء الموارب‪ ،‬بل كما لو أنه ليس على‬
‫لي قمي ًصا ُيؤكل؟ أزه ْر لي هواية عنِّي أشتغل‪ .‬ألم تر‬
‫كيف صارع ُت التن ُّفس وخلَّيته داميًا يتخبَّط في صقع‬                            ‫وشك الأرض‪ :‬لاذ ال َّصفير الأبيض المتماحي بجوفه‪،‬‬
                                                                                  ‫ومن ك ِّل خليَّة خالية في ذلك الجوف قام اللاشيء‬
                                 ‫الخلاء ويلعن؟‪.‬‬                                     ‫َيقطع‪ .‬تد َّل خرقة مسكينة من حافة البرميل ث َّم‬
                                                                                  ‫هوى صار ًخا إلى هذه الجا َّدة البيضاء ملتو ًيا حول‬
 ‫ذهب ُت إلى ن َّجار ال ُّنجوم أسأله‪:‬‬                                             ‫جوفه في سرعة وجنون‪ ،‬لكن عندما ح َّط على سطح‬
‫‪ -1‬أن يشتري منِّي ف َّن التن ُّفس؛‬                                                 ‫ال َّرصيف ال َّصلب ما عاد قاد ًرا‪ ،‬وقبل أن يدرك ما‬
                          ‫‪ -2‬إن شاء؛‬                                               ‫جرى م َرقت من فوقه سيَّارة رعناء تر َّنحت منها‬
                                                                                          ‫ورقة مكتوب عليها‪“ :‬اذبح هذه ال َجا َّدة”‪.‬‬
                          ‫‪ -3‬بلا تر ُّدد‪.‬‬                                         ‫الأرض في البئر مم َّزقة‪ .‬النار في البئر مم َّزقة‪ .‬الماء‬
‫البنود الثلاثة ُمل ِزمة‪ ،‬بلا تر ُّدد‪.‬‬                                               ‫في البئر مم َّزق‪ .‬الهواء في البئر مم َّزق‪ .‬الكون في‬
   ‫د َّس يده في هدوئه‬     ‫الكماائنلع ِْمرن ًضاخام ٍلغري ًيمالألاه‪،‬مأحخا َرلةج‪.‬‬
‫لي وز َن مقدا ِره رك ًضا‬                                                        ‫البئر ُمم َّزق‪ .‬ن َّجار النجوم هناك يرضع يده عار ًفا أ َّن‬
‫يتكلَّم من َمنزع مسماره والبقيَّ ُة أشجا ٌر من سلالة‬                             ‫المم َّزق يمكن اقتناؤه من أية زاوية بلا ثمن‪ ،‬وأي ًضا‬
                                                                                    ‫يتم َّزق‪ .‬وأ َّن البئر رعشة رعناء محفوفة بال َّظلام‬
                                                                                    ‫الطبقات من تحت سطح ساطع‪ ،‬يسكنها شيو ٌخ‬
                                                                                 ‫أشتا ٌت وكيف يلتئمون؟ يمضغون الموت في ترائبهم‬
                                                                                  ‫وهل غيرهم حائض؟ في ترائبهم صم ٌت خمي ٌر ل َعلَّه‬
                                                                                  ‫الأرض‪ ،‬ل َعلَّه ِجلد الهواء‪ ،‬ل َعلَّه ُيشرب‪ ،‬وإلا ما كان‬
                                                                                   ‫ال ُّشيوخ العابرون الكون إلى صمتهم يقضون فيه‬
                                                                                                           ‫لياليهم الأش َّد غمو ًضا‪.‬‬
                                                                                 ‫الهواء المحارب مكتوف في نصابه يغزل آلاء ركضه‬
   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76   77