Page 109 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 109

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬              ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫نشـطة وخصبـة تهيـأت عبـر أطـوار الوعـي بـأركان‬          ‫اليـوم” و” الـوادي” و” الجماهيـر” و” النـداء” و”‬
‫النهضـة وغاياتهـا‪ ،‬ابتـداء مـن رفاعـة الطهطـاوي‬         ‫الطليعـة”‪ .‬وقـ أر لطـه حسـين ولمنـدور مقالاتهمـا‬
‫ومـرو ار بإنشـاء الجامعـة المصريـة ووصـولا إلـى‬
‫طـه حسـين‪ .‬وأن المصرييـن رسـخوا إنجـا ازت مهمـة‬                                             ‫الصحفي ـة‪.‬‬
‫فـي المجتمـع المصـري فـي سـبيل التحـرر والوحـدة‬
                                                        ‫ومـع هـذه الفـورة نشـطت الحركـة الثقافيـة بشـكل‬
     ‫الوطنيـة وتحديـث المجتمـع وتحريـر العقـل‪.‬‬          ‫عـام‪ ،‬فصـدرت عـن دار المعـارف سلسـلة «اقـ أر»‬
                                                        ‫وصـدرت عـن دار الكاتـب المصـري مجلـة “الكاتـب‬
‫ومـن ثـم فـإن سـويف لـم يـأت مـن فـ ارغ ولـم يعمـل‬      ‫المصـري» وكان يـ أرس تحريرهـا طـه حسـين ويكتـب‬
‫فـي فـ ارغ‪ ..‬فقـد كانـت أمامـه طـرق ممهـدة وتجـارب‬      ‫فيهـا مقـالات بالغـة الدلالـة‪ ،‬ويسـتكتب ‪ -‬إلـى جانـب‬
‫ميسـرة ونمـاذج بشـرية ملهمـة حيـة ومعطـاءة‪ .‬وكان‬        ‫ذلـك ‪ -‬أشـخاصا ذوي أسـماء لامعـة مـن أمثـال‬
‫قـاد ار علـى التفاعـل مـع هـذه التجـارب‪ ،‬والتواصـل‬      ‫سـهير القلمـاوي وسـليمان حزيـن‪ ،‬وهيلـدا ازلوشـر‬
‫مـع مصـادر العلـم والتعلـم والثقافـة والفكـر فـي‬        ‫وهـي كاتبـة مرموقـة فـي فلسـفة الفـن ونشـرت فـي‬
‫مصـر وفـي أوروبـا‪ .‬ونسـتطيع القـول‪ :‬إن سـويف‬
‫حـدد توجهاتـه ومعالـم مسـيرته علـى هـدى مـن هـذا‬               ‫مجلـة الكاتـب مقالتيـن حيـن ازرت مصـر‪.‬‬
‫التفاعـل بيـن وعيـه المجتمعـي بضـرورة تحريـر‬
‫المجتمـع وتغييـره‪ ،‬وبيـن اعتمـاده العلـم سـبيلا لهـذا‬   ‫وفـي هـذه الآونـة أيضـا نشـر طـه حسـين «الفتنـة‬
‫التغييـر‪ .‬وبمـا أن سـويف ضـم إلـى العلـم‪ ،‬الفنـون‬       ‫الكبرى»‪ ،‬ونشر فتحي غانم رواية «الجبل»‪ ،‬ونشر‬
‫والآداب وأنظمـة الفكـر الفلسـفي‪ ،‬فقـد حـدد مجالـه‬       ‫يوسـف الشـاروني «المعـدوم الثامـن»‪ .‬وكان عبـد‬
‫العلمـي والثقافـي‪ .‬وبنـاء علـي ذلـك فقـد حـدد غاياتـه‪،‬‬  ‫الرحمـن الشـرقاوي أحـد أطـ ارف الخريطـة الثقافيـة‬
                                                        ‫التـي تفاعـل معهـا سـويف‪ .‬فقـد بـدا الشـرقاوي غيـر‬
             ‫وحـدد مجـالات تخصصـه العلمـي‪.‬‬              ‫ارض عمـا انتهـى إليـه فـي الشـعر وسـافر إلـى‬
                                                        ‫فرنسـا وكتـب قصيدتـه الشـهيرة «مـن أب مصـري‬
‫أمــا عــن الأولــى‪ :‬الغايــات‪ :‬فيقـول سـويف‪:‬‬           ‫إلـى الرئيـس ترومـان» منفعـا بأحـداث الحـرب‬
‫“انغمسـ ُت في العمل العلمي بحثا وتدريسـا‪ ..‬ولسـان‬       ‫بيـن الكوريتيـن وبمـا فعلتـه أمريـكا فـي هيروشـيما‬
‫حالـي أن أبشـر بالعلـم طريقـا لمعالجـة الهـم العـام‪.‬‬    ‫ونجا ازكـي‪ ،‬وأرسـلها إلـى أحمـد بهـاء الديـن الـذي‬
‫حرصـت فـي كل خطـوة علـى أن أسـتوضح صيغـة‬                ‫ق أرهـا علـى أسـماع سـويف وزوجتـه فاطمـة موسـى‬
‫للعمـل تجمـع شـتات جهـدي‪ .‬كانـت طموحاتـي‬                ‫وفتحـي غانـم «وعندمـا فـرغ بهـاء مـن ق ارءتـه كنـا‬
‫متشـعبة وكنـت ومـا زلـت أخـاف كل الخـوف أن‬              ‫علـى يقيـن مـن أن عبـد الرحمـن قـد فتحـت أمامـه‬
‫تجرفنـي أخطـار التـوزع‪ .‬كان همـي الأول أن أنتـج‬
‫علمـا حقيقيـا‪ .‬ووضعـت نصـب عينـي معيـا ار للجودة‬                                       ‫أبـواب الشـعر»‪.‬‬
‫ألتـزم بـه هـو أن أكثـر مـن النشـر فـي دوريـات‬
‫التخصـص العالميـة‪ .‬وتلـت ذلـك همـوم أخـرى أن‬                               ‫‪-4-‬‬
‫يكـون هـذا العلـم ذا فائـدة قريبـة للتطبيـق‪ .‬وأن أصنـع‬
‫تلاميـذ متميزيـن‪ .‬وأن أظـل علـى صلـة إيجابيـة‬                                  ‫النضوج وقطف الثمار‪:‬‬
‫بالحيـاة العامـة علـى أن تظـل بيـدي مفاتيـح هـذه‬
‫الصلـة إلـى حـد كبيـر‪ .‬وقبـل هـذا وبعـده أن أبقـى‬       ‫لعلنـا نلحـظ فيمـا سـبق أن مكونـات الوعـي‬
‫فـي مصـر لا أهجرهـا هجـرة بائنـة ولا مقنعـة‪ .‬فـذاك‬      ‫الأولـي عنـد سـويف هـي نفسـها التـي اسـتمرت‬
                                                        ‫معـه واكتسـبت اتسـاعا وتبلـو ار عظيمـا عبـر تجربتـه‬
                                                        ‫العلميـة والمجتمعيـة‪ ،‬وأن هـذه المكونـات لـم يكـن لها‬
                                                        ‫أن تؤتـي ثمارهـا لـولا أن وجـدت تربـة علميـة وثقافيـة‬

‫‪109‬‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114