Page 107 - مجلة التنوير العدد الخامس

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬ ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ ويمكـن أن نلحـظ تـوازي هذيـن المسـارين مكتـف بنفسـه‪ ،‬كانـت بغيتـه هـي نمـوذج معرفـي‬

‫يجمـع بيـن الغايتيـن العلـم والمجتمـع‪ .‬ولـم يكـن‬ ‫طيلـة التاريـخ العلمـي لسـويف‪ .‬فعلـى مسـتوى‬
‫أمامـه فـي ذاك الوقـت نمـوذج عصامـي فريـد أشـبه‬ ‫المسـار الأول‪ ،‬كانـت الجامعـة المصريـة برموزهـا‬
‫بالبطـل الأسـطوري غيـر نمـوذج طـه حسـين الـذي‬ ‫العلميـة الكبيـرة حريصـة علـى ترسـيخ قواعـد النهضـة‬

‫مـن خـال بنيـة ثقافيـة عصريـة ليـس محورهـا التعليـم قهر الضرورة – العمى والفقر والجهل – وتابوهات‬
‫فـي معاهـده ومدارسـه فقـط‪ ،‬بـل يكـون معـه العلـم اجتماعيـة ودينيـة علـى أرسـها الأزهـر‪ ،‬وتخطـى كل‬

‫المعاصـر الـذي يدخـل فيـه التعليـم المتقـدم ويسـتمر العوائـق فـي الجامعـة المصريـة بعـد نيلـه الدكتـو اره؛‬

‫طـول الحيـاة‪ ،‬فـي ضـوء ثـورة العلـم وتطبيقاتـه ليسـتقر بـه المقـام فـي مسـعى جديـد وتحـد مـن نـوع‬
‫وتوصيـل المعـارف وضمـان تدفقهـا‪ .‬وتتضمـن آخـر فـي بـاد – فرنسـا –لا يعرفهـا ولا تعرفـه‪.‬‬

‫لذلـك كانـت «أيـام» طـه حسـين أول عمـل أدبـي‬ ‫النهضـة أربعـة محـاور أساسـية هـي‪( :‬الاسـتقلال‬
‫شـغف بـه الفتـى سـويف وقـ أره عـدة مـ ارت فـي‬ ‫الوطنـي‪ ،‬والوحـدة الوطنيـة‪ ،‬وتحديـث المجتمـع‪،‬‬
‫صيـف واحـد‪ .‬وإذا كان طـه حسـين نموذجـا ملهمـا‪،‬‬
‫وبنـاء الثقافـة الوطنيـة العصريـة)‪.‬‬

‫وكمـا تضمنـت النهضـة هـذه المحـاور الأربعـة‪ ،‬فـإن هـذا النمـوذج أبحـر فـي خضـم الحضـا ارت‬
‫كانـت لهـا غايـات أربعـة أيضـا هـي‪( :‬تحريـر القديمـة عنـد اليونـان واللاتيـن وتوفـر علـى اليونانيـة‬

‫الوطـن‪ ،‬والتحديـث‪ ،‬وتعقيـل الفكـر‪ ،‬وتوحيـد الأمـة)‪ .‬واللاتينيـة وقـدم ت ارثهمـا الكلاسـيكي إلـى أمتـه‪ .‬قـدم‬

‫ولـم يكـن حـرص الجامعـة المصريـة علـى ترسـيخ لهـا ديمق ارطيـة الأثينييـن‪ ،‬كمـا قـدم لهـا أرسـتوفانس‬
‫قواعـد النهضـة إلا حلقـة مـن حلقـات الفكـر المصـري وسـوفوكليس‪ ،‬وقـدم لهـا أفلاطـون وأرسـطو‪ .‬ولـم‬

‫يكتـف بذلـك‪ ،‬بـل قـدم ‪ -‬فـي إطـار متـواز ‪ -‬الفكـر‬ ‫الحديـث الـذي مثلـه أحمـد لطفـي السـيد فـي تأكيـد‬
‫الاجتماعـي عنـد ابـن خلـدون‪ ،‬وبعـث أبـا العـاء‬ ‫القوميـة المصريـة فـي مواجهـة القوميـات الأخـرى‬
‫المعـري الفيلسـوف والشـاعر مـن مرقـده بعثـا جديـد‪.‬‬ ‫كالعثمانيـة والإنجليزيـة‪ ،‬وفـي النـص علـى الحريـة‬

‫وهـو بذلـك يحقـق غايـات النهضـة فـي تجديـد التـ ارث‬ ‫والدسـتور والعلـم‪.‬‬

‫بإعـادة ق ارءتـه فـي ضـوء مقتضيـات النهـوض‬ ‫وقـد اتسـعت رؤيـة التنويرييـن بعـد ثـورة ‪1919‬‬
‫الاجتماعـي ومنجـ ازت العلـم‪ ،‬وفـي صياغـة العلاقـة‬ ‫لتشـمل عـدة قضايـا أساسـية هـي‪( :‬صياغـة علاقـة‬
‫مـع الحضـارة الغربيـة فـي ماضيهـا وحاضرهـا‪ ،‬وفـي‬ ‫مصـر بالغـرب‪ ،‬تجديـد التـ ارث‪ ،‬تحديـث المجتمـع‪،‬‬
‫تحريـر العقـل)‪ .‬وقـد صـاغ طـه حسـين هـذه القضايـا‬
‫تحديـث المجتمـع‪ ،‬وتحريـر العقـل‪.‬‬

‫فـي كتبـه وخاصـة كتابـه “مسـتقبل الثقافـة فـي وغـدا طـه حسـين بذلـك نمـوذج العالـم‬

‫المتكامـل كمـا حلـم بـه سـويف القـادر علـى تغييـر‬ ‫مص ـر”‪.‬‬

‫المجتمـع وتحقيـق الوجـود الفعـال عبـر العلـم واللغـة‬ ‫ومـن البيـن فـي صياغـات بيانـات النهضـة أنهـا‬
‫والقـ ارءة‪ ،‬وعلـى نهجـه مضـى سـويف‪ .‬ولا نسـتطيع‬ ‫اتفقـت علـى غايـة تحريـر العقـل وتحديـث المجتمـع‪،‬‬
‫الجـزم بـأن طـه حسـين كان وحـده النمـوذج الـذي‬ ‫وهمـا الغايتـان الكبريـان اللتـان جعلهمـا سـويف‬
‫اسـتلهمه سـويف‪ ،‬فقـد كان هنـاك نمـاذج ملهمـة‬ ‫نصـب عينيـه‪ .‬فقـد انتهـج العلـم والبحـث العلمـي‬
‫أخـرى مثـل عبـد الرحمـن بـدوي وفـؤاد زكريـا وزكـي‬ ‫سـبيلا لبنـاء شـخصيته العلميـة‪ .‬وعندمـا امتلـك‬
‫نجيـب محمـود ويوسـف مـ ارد أسـتاذ سـويف ولويـس‬ ‫ناصيـة العلـم كانـت غايتـه تحديـث المجتمـع وتحريـر‬
‫العقـل‪ .‬فسـويف القـارئ الباحـث عـن عالـم متكامـل‬
‫عـوض وأميـن الخولـي وغيـر هـؤلاء‪.‬‬

‫‪107‬‬