Page 102 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 102
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
اللغـة كمـا وعاهـا ونماهـا ورعاهـا ظلـت ركنـا ركينـا ولكـن هـذا الولـع باللغـة ونصوصهـا لـم يكـن وجهـا
لمرحلـة بعينهـا ،بـل كان نبتـا أينـع وأثمـر وآتـى أكلـه فـي مسـيرته.
طـوال مسـيرة سـويف الممتـدة إلـى مشـارف القـرن
مـن الزمـن“ .وقـد اسـتمر هـذا الشـغف بنطـق اللغـة سـمى مصطفـى سـويف وعـي طفولتـه باللغـة
العربيـة يصحبنـي فـي سـنوات العمـر التاليـة .وامتـد «الحــس اللغــوي” ،ثـم فـي مرحلـة تاليـة سـماها
ليشـمل القـ ارءة والاسـتماع معـا سـواء أكنـت أنـا “اللغــة” ،ثـم حـدد اللغـة باللغـة العربيـة ،وهـي
القـارئ أم لـم أكـن .ثـم امتـد ليشـمل قـد ار ملحوظـا مـن لغتـه الأم التـي فتحـت لـه كل آفـاق القـ ارءة فـي
الاهتمـام بسـامة اللغـة فـي جبهاتهـا جميعـا .وامتـد الأدب والفكـر والثقافـة العربيـة ،ثـم قادتـه اللغـة
أكثـر مـن ذلـك ليصيـر جهـدا دءوبـا علـى التمكـن العربيـة والقـ ارءة إلـى اشـتباك أكبـر وأوسـع مـع اللغـة
منهـا ،وأصبحـت ولا أ ازل ألتمـس الأسـباب مـن حيـن الإنجليزيـة المعاصـرة بوصفهـا لغـة العلـم والفكـر
إلـى آخـر لأقضـي بعـض الوقـت قارئـا فـي معاجمهـا والأدب ،وهـي المجـالات الثلاثـة التـي شـغلته واتخـذ
ومـا هـو أقـرب إلـى المعاجـم .مـن هـذا القبيـل ق ارءاتـي منهـا منابـر لخطابـه العلمـي والفكـري والأدبـي
فـي (لسـان العـرب) وفـي (فقـه اللغـة) للثعالبـي ،وفـي لجمهـوره فـي مصـر والعالـم العربـي والعالـم الآخـر
( الفـروق فـي اللغـة) لأبـي هـال العسـكري ،وفـي فـي أوروبـا وأمريـكا وآسـيا وإفريقيـا عبـر مؤتم ارتـه
وأبحاثـه وعضوياتـه فـي المنظمـات الدوليـة مثـل
(إصـاح المنطـق) لابـن السـكيت”)5(.
منظمـة الصحـة العالميـة.
فمعنـى العلـم عنـده كان معنـى أوليـا مبكـ ار ،فلهذا الولع أو الشغف باللغة وجوه ،منها:
وجه المتعة الخالصة لذاتها. واكتشـاف وعيـه باللغـة كان وعيـا أوليـا مبكـ ار،
وجه الصحبة عبر الزمن. وكلاهمـا نمـا وتطـور عبـر م ارحـل التطـور العلمـي
وجه القراءة والاستماع. التـي مـر بهـا سـويف .وكلاهمـا لـم ينـم ولـم يتطـور
إلا بالقـ ارءة بوصفهـا منتجـة للعلـم ومحققـة للغـة
فـي الوجـه الأول نجـد أن المتعـة الخالصـة هـي وللوجـود الإنسـاني الفعـال ،الـذي نعـده أبلـغ وصـف
القاعـدة الركينـة التـي بنـى عليهـا مصطفـى سـويفكل وأدقـه يتـاح لنـا أن نطلقـه علـى مصطفـى سـويف.
هـذا الولـع باللغـة .فالمتعـة الخالصـة قادتـه إلـى
متعـة مصاحبـة اللغـة علـى مسـتويين :الاهتمـام يقـول مصطفـى سـويف“ :لا يبقـى فـي ذاكرتـي
بسـامتها ،والجهـد الـدءوب علـى التمكـن منهـا عـن هـذه الفتـرة مـن عهـد التلمـذة إلا انطبـاع واحـد
باسـتم ارر بالاطـاع علـى معجمهـا ومصادرهـا. بـارز يـدور حـول بـزوغ الحـس اللغـوي عنـدي،
وهـذه قادتـه إلـى متعـة القـ ارءة والاسـتماع معـا بمعنـى وتكاتـف عـدد مـن العوامـل المدرسـية والأسـرية
الخـروج مـن حيـز القـارئ والمسـتمع المنفـرد إلـى علـى تنشـيطه» ،ثـم يذكـر مـدى شـغفه وولعـه باللغـة
أفـق المسـتمع الذيينصـت إلـى نفسـه كمـا ينصـت وجرسـها“ ،وأذكـر فيمـا أذكـر عـن تلـك المرحلـة أننـي
إلـى كل مجيـد ومطـرب وممتـع مـن النـاس الذيـن كثيـ ار مـا كنـت أجلـس منفـردا فـي إحـدى الحجـ ارت
يمتلكونناصيـة اللغـة ،بمـا يعنـي أيضـا الاسـتمتاع لأقـ أر بعـض النصـوص الأدبيـة بصـوت مسـموع ،أو
بمـا يؤديـه الآخـرون مـن أمثـال المنشـدين والمبتهليـن لأقـ أر سـورة أو بضـع سـور مـن القـرآن الكريـم .أنـا
ومجـودي القـرآن والشـعر وكبـار المغنيـن ممـن القـارئ وأنـا المسـتمع .وكنـت ألقـى فـي ذلـك نوعـا
مـن المتعـة لا أدري إلـى أيـن تقودنـي ،ولكنـي كنـت
يتقنـون الغنـاء بالقصيـد.
أرحـب بهـا خالصـة لذاتهـا”)4(.
102