Page 101 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 101

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬           ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫كمـا مثلـه رمـزه فـي أسـرته‪ ،‬وهـو جـده لأمـه‬         ‫بالعلـم إلـى مرتبـة الفضائل‪،‬ويرتقـي بوظيفتـه ويصلـه‬
                  ‫الشـيخ مصطفـى بركـة‪.‬‬                       ‫بالأخـاق‪ ،‬كمـا يصلـه بالفنـون والمنطـق‪.‬‬

‫	•أن هـذا الوعـي المبكـر بمعنـى العلـم ظـل‬           ‫ولكـن م اروغـة المعنـى واقتـ ارن معنـى العلـم‬
‫ملتبسـا بالمشـاعر والمعانـي والإيحـاءات‬              ‫بشـخصيات تحيـط بهـا هـالات التقديـر والتبجيـل فـي‬
‫التـي انبعثـت مـن تقديـر المحيطيـن للشـيخ‬            ‫وعيـه المبكـر جعـل كلمـة العلـم «تنطـوي علـى أقـدار‬
‫مصطفـى بركـة‪ .‬تلـك المشـاعر التـي ظلـت‬               ‫مـن الوضـوح والإبهـام معـا‪ .‬وضـوح لا بـأس بـه‬
‫أصداؤهـا عالقـة بوعـي مصطفـى سـويف‬                   ‫يغـري النفـس بالاطمئنـان لـه‪ ،‬وإبهـام يدفـع إلـى مزيـد‬
‫بقصـد أو بغيـر قصـد بعـد رحيـل الشـخصيات‬             ‫مـن الاقتـ ارب مـن عالـم الكلمـة بقصـد الاستشـفاف‬
                                                     ‫والاستكشـاف‪ .‬وعلـى مـر الشـهور والأعـوام اختفـت‬
                ‫المتحركـة علـى المسـرح‪.‬‬              ‫الشـخوص المتحركـة علـى المسـرح‪ ،‬وبقيـت المعانـي‬
                                                     ‫والمشـاعر والإيحـاءات أصـداء مـن الماضـي‬
‫	•أن وعـي مصطفـى سـويف بمعنـى العلـم ظـل‬             ‫تلاحقنـي‪ ،‬علـى وعـي منـي أحيانـا‪ ،‬وعلـى غيـر‬
‫يكتنفـه الغمـوض بمقدارمـا يعتريـه الوضـوح؛‬           ‫وعـي منـي أحيانـا أخـرى‪ .‬وأنـا الآن أتعامـل مـع العلـم‬
‫ممـا دفعـه إلـى المزيـد مـن تحريـر المفهـوم‬          ‫علـى مسـتويين‪ :‬مسـتوى تحـدده القواميـس‪ ،‬ومسـتوى‬
‫واسـتيضاحه علـى النحـو الـذي انتهـى إليـه‬            ‫آخـر تمتـزج فيـه عناصـر متعـددة لا أتبيـن منهـا إلا‬
‫وهـو تحقيـق المفهـوم كمـا تضبطـه القواميـس‪،‬‬          ‫القليـل‪ .‬فيهـا أن العلـم هـو المعرفـة الصادقـة‪ ،‬وأن‬
                                                     ‫العلـم قيمـة‪ ،‬وأن العلـم ينطـوي علـى شـعاع مـن‬
    ‫وتحقيـق الغايـة كمـا تضبطهـا الفلسـفة‪.‬‬
                                                                                      ‫القداس ـة»‪)3(.‬‬
‫	•أن مصطفـى سـويف فـي النهايـة بلـور‬
‫مفهومـا للعلـم علـى مسـتويين‪ :‬مسـتوى تحـدده‬          ‫نتبيـن مـن فتـرة الوعـي الأولـي المبكـر عـدة أسـس‬
‫القواميـس‪ ،‬ومسـتوى آخـر تمتـزج فيـه عناصـر‬           ‫صاغـت مفهـوم العلـم ولـم تفـارق مصطفـى سـويف‬
‫متعـددة لا يتبيـن منهـا إلا القليـل‪ .‬منهـا أن‬
‫العلـم هـو المعرفـة الصادقـة‪ ،‬وأن العلـم قيمـة‪،‬‬                    ‫فـي م ارحـل سـنيه بعـد ذلـك‪ ،‬وهـي‪:‬‬
‫وأن العلـم ينطـوي علـى شـعاع مـن القداسـة‪.‬‬
‫وقـد اقتـرن هـذا الوعـي المبكـر بمعنـى العلـم‬        ‫أن بواعث هذا الوعي ومصادره كانت الأسرة هي‬
‫وأهميتـه بوعـي آخـر وصفـه مصطفـى سـويف‬               ‫الفاعـل الأوحـد فيـه‪ ،‬بمـا أرسـته مـن نظـام مسـتقر لا‬
‫باكتشـاف الحـس اللغـوي‪ ،‬فمـا هـذا الوعـي ومـا‬        ‫يختل سـواء في أشـكال التعامل السـائدة أو المسـموح‬
                                                     ‫بهـا داخلهـا‪ ،‬بمـا يعنـي الانضبـاط السـلوكي وتوحيـد‬
                           ‫صلتـه باللغـة؟‬            ‫معيـار الثـواب والعقـاب‪ .‬فالإشـادة والتدعيـم المعنـوي‬

                                       ‫اللغة‪:‬‬                 ‫ضـرورة فـي وقتهـا‪ ،‬مثـل الثـواب والعقـاب‪.‬‬

‫لـم يبـق فـي ذاكـرة مصطفـى سـويف مـن أصـداء‬          ‫	•أن العلـم وأهلـه لهمـا مكانـة لا تعادلهـا مكانـة‬
‫ذكريـات الطفولـة المبكـرة إلا انطبـاع واحـد بـارز‬    ‫أخـرى مهمـا تكـن فـي وعيمصطفـى سـويف‬
‫هـو بـروز الحـس اللغـوي‪ ،‬الـذي توقـف عنـده وعـده‬
‫أحـد أركان مسـيرته الكبـرى‪ ،‬مـع أن مرحلـة الطفولـة‬                  ‫المبكـر‪ ،‬وفـي ثقافـة أسـرته‪.‬‬
‫هـي مرحلـة تفتـح بدايـات الوعـي بمختلـف القـد ارت‬
‫والملـكات‪ ،‬ولكـن انتبـاه مصطفـى سـويف إلـى هـذه‬      ‫	•أن وعـي مصطفـى سـويف المبكـر بمعنـى‬
‫النقطـة ‪ -‬البعيـدة فـي أعمـاق الزمـن ‪ -‬يـدل علـى أن‬  ‫العلـم لـم يكـن وعيـا مجـردا ولا مطلقـا‪ ،‬ولكنـه‬
                                                     ‫كان وعيـا ملموسـا مرئيـا ومشـهودا ومقـد ار‪،‬‬

‫‪101‬‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106