Page 103 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 103

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬              ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ثـم أدت بـه هـذه المتـع فـي نهايـة الأمـر إلـى متعـة الواسـعان اللـذان سـعى مصطفـى سـويفإليها بـدأب‬

‫التعـرف علـى اللغـة فـي متونهـا والتمكـن منهـا‪ ،‬بمـا عظيـم‪ ،‬فقـ أر فـي تاريـخ الفلسـفة؛ لأنـه أدرك منـذ‬
‫يعنـي العلـم بمـا لا يعلـم الـذي تتيحـه القـ ارءة وتتيحـه البدايـة رغبتـه فـي د ارسـة الفلسـفة علـى غيـر إ اردة‬

‫مجالاتهـا مـن علـم بـالأدب‪ ،‬وبألـوان الفكـر العقلـي‪ ،‬أسـرته‪« ،‬أ اردت الأسـرة أن أدرس الطـب‪ ،‬وأردت‬

‫أنـا أن أدرس الفلسـفة‪ ..‬فقـد وقعـت أسـير الانبهـار‬      ‫وبتيـا ارت العلـم الإنسـاني والطبيعـي‪ .‬فاللغـة إذن‬
‫بالتفكيـر الفلسـفي منـذ الصفحـات الأولـى فيمـا‬          ‫كانـت المفتـاح الـذي ولـج بـه سـويف إلـى عوالمـه‬
‫قـ أرت عـن الفكـر اليونانـي‪ .‬كمـا قـ أرت بإعجـاب‬        ‫الكبـرى‪ :‬العلـم‪ ،‬الفكـر‪ ،‬الأدب‪ .‬فمــاذا قــ أر ســويف‬
‫يـكاد يسـتحيل إلـى ذهـول( تطـور علـم الطبيعـة)‬
‫لأينشـتاين‪ ،‬وبعـض مـا كتبـه (الدينوأسـ ارر التطـور‬                          ‫وإلام أدت بـه هـذه القـ ارءة؟‬

                             ‫ا لبيولوج ـي)”‪)6 (.‬‬                                        ‫الق ارءة‪:‬‬

‫فالقـ ارءة حررتـه بانفتـاح آفـاق المعرفـة ووسـعت‬        ‫القـ ارءة عنـد مصطفـى سـويففعل حيـوي وجـودي‪،‬‬
‫مسـاحاتالحرية الفرديـة والاجتماعية‪،‬وعلمتـه كيـف‬         ‫تنعـدم قيمـة الوجـود عنـده إذا لـم يكنهـذا الفعـل‪.‬‬
‫يكـون الحـوار بمـا هـو تعـدد الأصـوات‪ ،‬واختـاف‬          ‫لذلـك ظلـت القـ ارءة فعـا حيويـا يحافـظ علـى جـودة‬
‫المعـارف عبـر تجـاوز قيـد المـكان وقيـد اللغـة‪ .‬وقـد‬    ‫البقـاء كمـا يصـل مصطفـى سـويفبكل آفـاق الأمكنـة‬
‫اسـتمرت علاقـة مصطفـى سـويفبالق ارءة علـى هـذا‬          ‫والأزمنـة‪ ،‬فيتحـرر مـن قيـد الزمـن كمـا يتحـرر مـن‬
‫النحـو طيلـة عمـره‪ ،‬بوصفهـا خبـرة وجوديـة تنمـو‬
‫وتـزداد وتتعـدل‪ .‬لذلـك انطـوت علـى تجربـة الفـرد فـي‬                       ‫قيـد المـكان كمـا سـوف نـرى‪.‬‬
‫اتصالهـا بخبـرة الجماعـة البشـرية علـى اختلافهـا‪.‬‬
                                                        ‫وقـد بـدأ مصطفـى سـويففعل القـ ارءة مبكـ ار علـى‬
‫يقـول مصطفـى سـويف‪“ :‬كانـت خبـرة القـ ارءة‬              ‫نحـو بدايـة الوعـي بقيمـة العلـم‪ ،‬وبمتعـة الوعـي‬
‫بالنسـبة لـي – ولا ازلـت ‪-‬رحلـة خـارج المـكان‪ .‬فأنـا‬    ‫بقيمـة اللغـة‪ .‬بـدأ هـذا الفعـل بقـ ارءة الأدب «الأيـام”‬
‫فـي تلـك اللحظـات أتجـاوز القاعـة التـي أجلـس‬           ‫لطـه حسـين‪« ،‬فـإذا بـي – يقصـد نفسـه – أعـاود‬
‫فيهـا‪ .‬أعـرف بطبيعـة الحـال أننـي أجلـس فـي هـذه‬        ‫ق ارءتـه مـ ارت ومـ ارت فـي صيـف واحـد‪ ،‬وقـ أرت كتبـا‬
‫الغرفـة أو تلـك مـن حجـ ارت بيتـي‪ ،‬لكـن هـذه المعرفـة‬   ‫أخـرى‪ ،‬وحفظـت عـن ظهـر قلـب ديـوان إسـماعيل‬
‫ينخفـض الوعـي بهـا شـيئا فشـيئا ليحـل محلهـا وعـي‬       ‫صبـري باشـا‪ .‬وعرفـت الطريـق إلـى دار الكتـب‬
‫بنـوع آخـر مـن المـكان يشـبه أن يكـون مكانـا مجـردا‬     ‫ببـاب الخلـق‪ ،‬وكنـت أقضـي هنـاك سـاعات النهـار‬
‫أو مطلقـا ليـس لـه صفـات محـدودة سـوى أنـه مشـرق‬        ‫مـن أولـه إلـى آخـره‪ ..‬أقـ أر مـا أعرفـه وأبحـث عـن‬
‫ورحـب وأكثـر إشـ ارقا‪ ،‬وربمـا أشـد رحابـة ممـا أعـرف‪.‬‬   ‫جديـد لا أعرفـه لكـي أقـ أره‪ .‬وأشـعر طـوال الوقـت‬
‫فأنـا لا أرى فيـه أركانـا مظلمـة‪ ،‬ولا أعـرف لـه حـدودا‬
‫مرئيـة‪ .‬فـي هـذا النـوع مـن المـكان أجدنـي قارئـا”‪.‬‬         ‫بأننـي أعيـش حلمـا سـعيدا لا أكاد أصدقـه»‪.‬‬

                                          ‫(‪)7‬‬           ‫	 والقـ ارءة– الحلـم – هـي بـاب السـعي‬
                                                        ‫و ارء المجهـول‪“ ،‬وأبحــث عــن جديــد لا أعرفــه”‪،‬‬
‫ويحـدد مصطفـى سـويفكيف يتحـول الصـوت‬                    ‫ومـن المجهـول كل مـاورد إلـى السـمع‪ ،‬ولـم يدركـه‬
‫الصامـت إلـى صـوت مسـموع فـي داخـل النفـس‪،‬‬              ‫البصـر‪ .‬فتاريـخ الإنسـان علـى الأرض منقـول‬
‫بحيـث لايرتقـي إلـى كونـه حـوا ار فـي حـال ويظـل‬        ‫بالسـمع‪ ،‬والقـ ارءة هـي بـاب العقـل والخيـال معـا‪،‬‬
‫مناجـاة فرديـة‪ .‬ومـا هـذه المناجـاة إلا ترديـد صـوت‬     ‫وهـي قنطـرة العبـور إلـى المشـترك بيـن الأمـم‪ .‬ومـن‬
                                                        ‫ذلـك تاريـخ الفكـر وتاريـخ العلـم وهمـا المجـالان‬

‫‪103‬‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108