Page 112 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 112
الأفلام التسجيلية والوثائقية
إلى حد ما) وإيطاليا في ستينيات القرن الماضي صعودا في ظاهرة الفيلم السياسي ،بتأثير من
الظروف السياسية الجامحة وغير القياسية ،التي عاشتها تلك الدول في ذلك الحين.
وقد سعى الفيلم السياسي الوثائقي ،بأشكاله السينمائية الأولى إلى تصوير وتوثيق الوقائع
والحوادث والعمليات الاجتماعية كما جرت في الواقع ،مصحوبة بتحليل سياسي ايديولوجي يتعمق
في تناول الواقع الاجتماعي وظواهره وقضاياه بشكل مباشر ،ويدمجها في هيكل ايديولوجي
متكامل يستند إلى الأحكام الأخلاقية السائدة لدى الطبقات الشعبية ،وتجلى ذلك أكثر ما تجلى
في الأفلام السوفيتية التي تغنت بنضال الطبقة العاملة وانتصا ارت اكتوبر (تاريخ نجاح الثورة
البلشفية) في عشرينيات القرن العشرين ،ومعظم الأفلام الوثائقية المصرية التي سعت لتمجيد
الحركة الوطنية المصرية في العشرينيات والثلاثينيات ،ومن ثم ثورة ( 23يوليو عام )1952ما
أحدثته من تغيي ارت في بنية المجتمع المصري.
هذا وقد استخدمت الأفلام السياسية الوثائقية وما ازلت تستخدم ليس فقط لرصد التغي ارت في
الواقع السياسي والاجتماعي ،ولبناء وعي سياسي ،ولكن أيضا للتأثير في الأوضاع السياسية،
وكأداة سياسية في مجالات الص ارعات الطبقية والأيديولوجية ،وربما كان "ميليس" الذي صور عام
1896مشاهد من الحرب الإسبانية الأمريكية ،ثم قضية "دربفوس" التي هزت ال أري العام عام
1899أول من صور أحداث سياسية للسينما ،وتلا ذلك وعلى مدار أكثر من مئة عام من تاريخ
السينما ،مئات بل ربما آلاف من الأفلام التي تناولت الدين والأع ارف والتقاليد ،وتقلبات الشؤون
الاجتماعية السياسية ،وجعلت من قضية فضح أنماط السيطرة والهيمنة والقمع في المجتمعات
كافة ،موضوعها الرئيسي وركنها الأساسي.
101