Page 107 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 107

‫الأفلام التسجيلية والوثائقية‬

‫الحياتية‪ ،‬التي تم التقاطها في كليتها الفاعلة‪ ،‬بهدف إقامة اتصال مع البشر الفاعلين في موقف‬
            ‫معين من دون وسائط جمالية أو غيرها من شأنها أن تزيف أو تشوه الآنية المعاشة‪.‬‬

‫كما بحث فنانون آخرون في تلك الفترة‪ ،‬وعلى أرسهم المخرج الامريكي "جون ميكاس"‪ ،‬وشقيقه‬
‫"أدولفاس ميكاس" عن طرق لاستخدام الفيلم الوثائقي كطريق لنقاء الرؤية واحتفاء بالتخلي عن‬
‫الحكايات الجميلة السعيدة‪ ،‬لصالح التعبير بجلاء ووضوح عما يقبض على صدورهم‪ ،‬بشكل‬
‫أكثر حرية‪ ،‬أتاح لهم أن يعبروا عن سلم علاقات انفعالية أوسع‪ ،‬وتفجير للحقائق‪ ،‬وصخب‬
‫وصيحات تحذير وإنذار ‪ ،‬وت اركمات صور غريزية‪ ،‬لا يمكن تجاهل سعيها في التعبير عن الحيرة‬
‫والتردد في وجدان الإنسان المعاصر الذي تهمين على حياته موجة عالية المد من العنف‬
‫والحماقة والفظاظة غير المسبوقة‪ ،‬بشكل أقرب للثورة الفكرية أكثر منها الاجتماعية؛ ونظ ار‬
‫لتجنب أفلامهم المتعمد لتقاليد الحبكة الد ارمية‪ ،‬وال اروي‪ ،‬بل أحيانا الأشياء القابلة للملاحظة في‬
‫العالم‪ ،‬فإنهم قدموا طريقة أخرى لفهم ما يتوقعه الناس؛ فقد أخرج كل من كينيث أنجر ‪ ،‬وجوناس‬
‫ميكاس‪ ،‬وكارولي شنيمان‪ ،‬وجوردان بلسون‪ ،‬ومايكل سنو" أفلاما ترجمت الحياة الواقعية بأسلوب‬

               ‫إبداعي‪ ،‬على الرغم من أنهم صنفوا أنفسهم فنانين طليعيين لا مخرجين وثائقيين‪.‬‬

‫كما ظهر في تلك المرحلة تيار‪ ،‬غابت عنه إلى حد بعيد‪ ،‬تقاليد الفيلم الوثائقي التقليدي‪ ،‬حيث لا‬
‫يوجد ارو يخبرنا بما يحدث ولا خب ارء يمثلون المرجعية الموثوق بها ‪ ،‬والحقيقة العادية مشوهة عن‬
‫عمد‪ ،‬حتى ن ارها على نحو مختلف ‪ ،‬والموسيقى التصويرية تستخدم لأغ ارض أخرى خلاف‬
‫الإيعاز بمشاعر مرتبطة بالقصة ؛ فالأشكال ذات الألوان الفاتحة والداكنة‪ ،‬والصوت التنويمي‬
‫للموسيقى التك اررية‪ ،‬ومنظر الأجسام المأخوذة من العالم الطبيعي‪ ،‬وهي معروضة بأضعاف‬
‫حجمها العادي‪ ،‬وغيرها من الوسائل الأخرى‪ ،‬لإخ ارج المشاهدين من إطار عاداتهم البصرية‪،‬‬

                               ‫ودفعهم لرؤية بشاعات العالم المعاصر على حقيقتها‪ ،‬مجسمة‪.‬‬

‫وقد بدأت هذه الثورة في الأسلوب‪ ،‬في فترة تصاعد انعدام ثقة المستهلكين في سلطة الإعلام‬
‫ال أرسي المتجه من أعلى لأسفل‪ ،‬الذي يحتمل أن يكون قد تأجج بفعل تجربة العامة مع دعاية ‪،‬‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وتأجج بالتأكيد بصعود الإعلان كلغة عالمية للإقناع‪ ،‬وتنامي قوة تأثير‬
‫وسائل الإعلام‪ ،‬وقد كان لانعدام الثقة ذاك في حد ذاته‪ ،‬جذور ارسخة في تيار أكثر اتساعا‬
‫للحركات الاجتماعية المناصرة للعدالة والمساواة والانفتاح السياسي‪ ،‬والاحتواء؛ فقد وصلت هذه‬

                                           ‫‪96‬‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112