Page 110 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 110
الأفلام التسجيلية والوثائقية
وهكذا ،لم تعد سينما الواقع ثورية؛ فقد صارت أشبه باللغة الافت ارضية للأفلام الوثائقية الموسيقية،
وجميع أنواع الأفلام الوثائقية التي تصور ما يحدث ما و ارء الكواليس ؛ وجزء من تركيبة الأعمال
البوليسية والمسلسلات الوثائقية ،وجزء من أدوات المصداقية الب ارمج تليفزيون الواقع ،وجزء ثابت
من التوقعات الخاصة بأعمال الفيديو الموجهة للعامة في التسعينيات ،واعتمد أسلوب "اليوميات
المرئية" كنطاق التعبير ،مثل أعمال المخرج البريطاني نيك برومفيلد" ،الذي لاقت تأملاته المثيرة
في حياة المشاهير وسيئو السمعة نجاحا عالميا ،كما شاع استخدام تقنيات سينما الواقع في
الإعلانات والدعاية السياسية أيضا ،لإضفاء الحيوية والمصداقية عليها ،وهو ما أشار إلى فقد
المنهج الواقعي (مطلع السبعينيات) جدته ،لكنه لم يفقد قدرته على إقناع المشاهدين بأنهم
حاضرون ويشاهدون شيئا غير مصطنع وحقيقيا بلا ن ازع.
والحقيقة أن الفيلم الوثائقي في عصر الانفلات التكنولوجي (العصر ال ارهن) ،بدأ يأخذ صيغا
وأشكالا متعددة ،كما أصبحت موضوعاته لا متناهية في تنوعها ،مما أتاح له معالجة أدق
تفاصيل الحياة الإنسانية في أسلوب سردي معمم لا يروي قصة ،بل يدع القصة تنمو أثناء
التصوير ،ويعتمد على الحماسة والاكتشاف واكتساب الخبرة عبر التعلم ،ويجعل الحقيقة نتيجة
منطقية للفيلم ،وللفيلم وحده.
وهكذا أصبح الفيلم الوثائقي السينمائي والتلفزيوني المعاصر ،مع التحولات الكبرى في الفلسفة
والسياسية والاقتصاد والاجتماع في الألفية الثالثة ،وبعد ما غدت المذاهب الشمولية غير
الديمق ارطية ،وأيديولوجيتها أم ار مرفوضا ،سواء بصفتها خطابات مغلقة ،أو ممارسات قمعية،
يندرج تحت ما يسمى "فن اللقطة" ،الذي يركز اهتمامه على موضوعه عبر الانطلاق بالاعتماد
على الكامي ار من لقطة إلى لقطة ،ثم من مشهد لآخر ،للبحث عن الحقيقة ،وتقديم أجوبة على
الأسئلة التي تؤرق البشر ،وللحث على ق ارءة أفقية للواقع توحي بالسلاسة ،وعدم تطفل أو تدخل
شيء بين الواقع والمشاهد ،ليحل الإد ارك الطبيعي (الثقافي) محل الإد ارك التشكيلي ،أي النسخة
طبق الأصل الفوتوغ ارفية لمشهد حقيقي له معنى بذاته ،محل الدلالة المحتومة للحرفية الفلمية.
99