Page 105 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 105
الأفلام التسجيلية والوثائقية
الفنية في أوروبا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين ،يتخيلون السينما (التي كانت وسيطا
صامتا آنذاك) ،من بين أشياء أخرى ،كقصيدة مرئية تستطيع توحيد خبرة الحواس المختلفة ،كانت
هذه الفترة من فت ارت التجريب والتواصل الداخلي الغزير .
وقد ساهمت أفلام سيمفونيات المدن التي أنتجت في تلك المرحلة ،في ظهور الحب العصري
للتمدن ،والآلات والتقدم ؛ إذ استخلصت عناصر من الحركات الفنية مثل السريالية والمستقبلية،
وأتاحت للناس رؤية ما لم يكن باستطاعتهم رؤيته عادة ،أو ما كانوا ليروه ،ومن الأمثلة الأولى
لأفلام ( ،)1921أفلام بول" ست ارند وتشارلز شيلر ،وقد ت ازيد إنتاج هذا النوع من الأفلام
(سيمفونيات المدن) في القارة الأوروبية في أواخر العشرينيات ،مثل أفلام "برلين :سيمفونية مدينة
عظيمة" للمخرج الألماني "والتر روثمان" ،وفيلم "لا شيء غير الزمن" عام 1926عن مدينة
باريس ،كما أنتج شقيق المخرج "فيرتوف" الأصغر "بوريس كوفمان" ،والفنان الفرنسي "جان فيجو"
عام ،1930فيلما صغي ار ينطوي على هجاء حول مدينة "نيس" الفرنسية ،حيث أظهرها مدينة
تسودها ثقافة البذخ ،وينتشر فيها القمار وعبادة الشمس والنفس ،وفي بلجيكا ،أخرج "هنري
ستورك" عام 1930فيلما رصدت أحداثه عن كتب بلدته الشاطئية صور من أوستند" ،وأخرج
المخرج الهولندي "جوريسإيفينز" الذي اتجه إلى العمل مع ستورك ،فيلما أصبح من كلاسيكيات
هذه الأفلام "الرجل ذو الكامي ار" ،وفي سياق هذه المرحلة ،أبدع "فيرتوف" ارئعته "المطر" ،وقد
كانت أفلام سيمفونية المدن ارئدة في استخدامها التعليق التمثيلي على التأثير المدمر للبشر على
الأرض.
هذا وقد شكل كل من الفيلم الوثائقي الاجتماعي ،الذي يهدف إلى تقديم محضر ضبط للواقع
وشؤون وتصرفات أف ارد من أبناء الطبقة العاملة والطبقات الأدنى في السلم الاجتماعي بأكثر ما
يمكن من الموضوعية ،والفيلم القصيدة" الذي يبدي اهتماما كبي ار بحياة الناس ،أهم ملامح هذه
المرحلة التي تعتبر حاسمة في تاريخ تطور السينما ،إضافة إلى أن هذه المرحلة شهدت تكريس
الدور الدعائي الايديولوجي للفيلم الوثائقي ،باعتباره أداة في المعركة ووسيلة تأثير على
الجماهير ،وكان الاتحاد السوفيتي السابق ،سباقا في هذا المجال بعد استيلاء الشيوعيون على
الحكم ،وقد تميزت في هذه المرحلة أفلام "كوليشوف" ،و"إيزنشتاين" ،و"فيرتوف" ،و"ماياكوفسكي"،
و"بودوفكين" ،التي استخدمت الصور للإشارة إلى الواقع الموضوعي الحي ،لاستهداف معنى
94