Page 108 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 108
الأفلام التسجيلية والوثائقية
الحركات لكل ركن في العالم وأسفرت عن انتهاء الاستعمار ،وتغي ارت في الحكومات ،وانتصا ارت
في مجال حقوق الإنسان للجماعات التي كان ُيمارس ضدها تمييز ،والتي تت اروح من الطبقات
المنغلقة المتدنية إلى النساء وذوي الإعاقة.
وفي الواقع لم يكن لبوادر هذه الحركة علاقة بالتكنولوجيا ؛ فالأفلام التي انبثقت عن حركة
السينما الحرة البريطانية في أواخر الخمسينيات تتميز بالسخرية من التفويض الجاد "لجريرسون"
بالتوعية والتعليم في خدمة الوحدة الوطنية ،لقد حررت حركة السينما الحرة نفسها بالفعل من ذلك
التفويض تماما ،ولذلك فأفلام تلك المرحلة لم تكن تقيم شخصياتها ضمنا أو تملي على
المشاهدين ما عليهم استنتاجه مما يشاهدونه ،ولم تخبر مشاهديها بأن ما يشاهدونه مهم ،لقد
كانت الأفلام فرصا لإنعام النظر في لحظات الاستمتاع في حياة الأشخاص العاديين ،وتعبي ارت
صريحة عن الاهتمامات الشخصية لمخرج الفيلم ،كما أنتجت أفلام وثائقية أخرى اتخذت موقفا
أخلاقيا متمردا قويا يخالف ويعارض ص ارحة ،الأوضاع السائدة السياسية والدينية والاقتصادية
والاجتماعية.
وسرعان ما أرخت الثورة التكنولوجية المتصاعدة بظلها على عالم الوثائقيات ،فبادر المخرجون
في كندا والولايات المتحدة وفرنسا لتطبيق الابتكا ارت التكنولوجية للترويج لطريقة جديدة في تنفيذ
الأفلام الوثائقية ،وأثارت سينما الواقع (التي تسمى أحيانا السينما المباشرة ،أو سينما الم ارقبة
والرصد ،أو العين الصريحة ،على اسم أحد المسلسلات التليفزيونية في كندا) حماس المخرجين
بإمكانياتها ،فقد أنتج "ديفيد وألبرت مايسلز " سلسلة من الأفلام الوثائقية المدهشة ا ْحتُف َي بها في
دوائر الروائع الفنية التي كانت آنذاك شريانا حيويا في الثقافة السينمائية؛ ففي ،1968تتبع
الأخوان في فيلمهما (البائع) مجموعة من بائعي الأناجيل الذين كانوا يعيشون تناقضات الحلم
الأمريكي ،وهم يبيعون كتابا مقدسا بإلحاح ،ولقد حولت مونتيرة الفيلم "تشارلوت زويرين" لقطاتهما
إلى ت ارجيديا أمريكية ،فكان الفيلم تعبي ار حزينا ومثي ار للمشاعر عن انهيار حلم انطلق في ذروة
الانقسامات الاجتماعية في البلاد حول حرب (فيتنام) ،وعلى الرغم من أن فيلم قد احتوى على
معان اجتماعية وقيم ثقافية ضمنية حادة ،فقد تفادت معظم أعمال الأخوين "مايسلز"
الموضوعات السياسية.
97