Page 95 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 95
الأفلام التسجيلية والوثائقية
عكس الفيلم الروائي التي تكون الحبكة فيه هي المتحكمة بالأحداث ،وإن كانت بعض الأفلام
الوثائقية قد بدأت تستعير نفس أسلوبية الأفلام الروائية في روايتها لقصصها.
-8قصص الأفلام الوثائقية ،هي قصص الدلالة المسهبة للحظات موجودة دوما في حياتنا،
والتي تعتبر غير ذات شأن في حياتنا ،وهي أيضا قصص تتجاوز سرد الحكايات ،إنها شيء
مطلق ،وأعمال يمكن ق ارءتها في أي اتجاه كان ،لأنها تقوم على الموضوعية ،والتأمل ،وعلى
المساواة بين الواقع والعرض والحكاية ،مع رفض للرموز والإشا ارت الواضحة جدا ،التي تشوه
غموض الحقيقة على حد تعبير "با ازن ،"Bazinوعلى الاهتمام بالدلالات غير البصرية ،وتجنب
المسرحية التي كانت وما ت ازل تغلف الأفلام الروائية.
والحقيقة أن ارتباط قصص الأفلام الوثائقية بكل ما هو حقيقي وواقعي بشكل أساسي ،وبالمعنى
الطبيعي للأشياء وفقا لنظريات "أندريه با ازن ،"Andre Bazinجعل لها قوالب محددة استنادا
لمقتضيات الواقعية (الوثيقة الحقيقية) ،باعتبارها قبل كل شيء فن ضلوع وإيحاء ،إذ يمكن فيها
تحميل صورة مادية قيمة رمزية ،كما أن معنى ما جرى عرضه مرهون بطريقة العرض أكثر من
ارتهانه بهويته ذاته لكنها تبقى وثيقة لانتمائها لما هو معروف وقابل للتفسير ،وقد تجسدت معظم
الأفلام الوثائقية قديمها وحديثها في أربعة قوالب سردية ،هي السردي ،والغنائي ،والتبشيري،
والثقافي ،شكلت بمجملها معنى الأفلام الوثائقية القائم على تحويل المدلول إلى دال في سياق
استم اررية هي في الآن ذاته تطور إيديولوجي بقدر ما هو حدثي ،لا يتأسس على خطية القصة،
بل على تصادم عناصرها المتواقتة بشكل تام بعضها ببعض ،مما يقود لتولد الأفكار بشكل
متناغم.
ثالثا :قوالب سرد قصص الأفلام الوثائقية
تولى منظرو تحديد القوالب السردية للأفلام الوثائقية مطلع القرن العشرين (ومعظمهم مخرجون
سوفيت مثل :ماياكوفسكي في اأفلام تعبئة الجماهير 1918و ،1919وكاسيانوف ،وفيرتوف،
وإيزنشتاين ،وبودوفكين ،وكوزنتسيف ،وآخرون) الدفاع عن وجهة نظرهم فيما يجب أن يكون
عليه الفيلم الوثائقي ،عبر نبذ كل ما هو آت من المسرح ،ورفض كل تأليف لا يكون ناتجا عن
الكامي ار فحسب عبر تسجيل الواقع ،والإمساك بالحياة في قلب الحياة ذاتها" ،لا لعرض ذلك كما
84