Page 77 - ثقافة قانونية العدد السادس- للنشر الالكتروني
P. 77

‫ض�� ي� ف�‬
                      ‫ا ل�عدد‬

‫ثــقافة قــــانونية‬      ‫بالجنسية المصرية‪ ،‬ومقيدة فى جداول الانتخاب‪ ،‬وتبلغ من العمر ‪30‬‬       ‫والحيوية لم يتم التوافق عليها (مثل أسلوب ومضمون تطوير التعليم‪،‬‬
                         ‫عاما‪ ،‬وتجيد القراءة والكتابة‪ .‬ونفس الشيء بالنسبة لشروط الانتخاب‬     ‫وضع المرأة‪ ،‬تطوير الخطاب الدينى ‪ ،‬فضلا عن قضايا الديمقراطية‬
                         ‫أى (أن تكون ‪ -‬مصرية‪ ،‬تبلغ من العمر ‪ 18‬عاما‪ ،‬ولا تكون من الموقوفات‬   ‫ذاتها)‪ ..‬وليست مصادفة أن تكون تلك القضايا التى طرحت فى أوائل‬

                                                         ‫عن مباشرة الحقوق السياسية)‪.‬‬                   ‫القرن الماضي‪ ،‬هى ذاتها القضايا المطروحة علينا اليوم !‬
                         ‫ولكن بالنسبة للتمثيل الفعلى للمرأة المصرية‪ ،‬فقد تفاوتت النسبة بين‬   ‫‪ ‬وكذلك يؤدى غياب التوافق العام إلى استفحال الازدواجية الثقافية‬
                         ‫برلمان و خر‪ ،‬ففى برلمان ‪ 1957‬كانت هناك ‪ 3‬سيدات‪ ،‬وفى برلمان ‪1984‬‬     ‫والتى تندرج تحت إطار ما يسمى بإشكالية العلاقة بين “الأصالة‬
                         ‫بلغ عددهن ‪ 36‬سيدة‪ ،‬وفى برلمان ‪ 1987‬كانت هناك ‪ 19‬سيدة‪ ،‬وفى‬           ‫والمعاصرة” فوضع هذه الإشكالية على هذا النحو لم يساهم فى التجديد‬
                         ‫برلمان ‪ 1995‬هبط العدد إلى ‪ 9‬سيدات‪ ،‬وفى برلمان ‪ 2000‬بلغ العدد‬        ‫الفعلى للثقافة العربية بقدر ما يؤدى فى أحيان كثيرة إلى إعادة إنتاج‬
                         ‫‪ 11‬سيدة من إجمالى ‪ 454‬مقعدا‪ ،‬وهذه الفجوة تأتى فى الغالب بحكم‬        ‫القديم‪ ،‬والقديم الذى أعنيه هنا‪  ‬هو ذلك النوع من الثقافة التى مازالت‬
                         ‫الأوضاع الثقافية والاجتماعية التى لا تكون فى الغالب لصالح المرأة‪.‬‬   ‫تنظر إلى قيم مثل الحرية والديمقراطية والعقلانية وحقوق المرأة كأنها‬
                         ‫ولست فى حاجة إلى القول‪ ،‬بأن تلك النسبة للمشاركة السياسية‬            ‫غريبة عن التراث أو أنها مجرد منتج للثقافة الغربية ينبغى التشكيك‬
                         ‫للمرأة ‪ -‬وكما نستدل عليها من الترشيح لعضوية البرلمان‪ -‬تظل نسبة‬      ‫فيه أو الحذر منه‪ ،‬ومازالت تكرس فى النهاية كما يشير المفكر العربى‬
                         ‫متواضعة‪ ،‬لا ترقى إلى مستوى الحقوق التى يقررها الدستور والقانون‬      ‫المعروف عابد الجابرى نمطا من الثقافة “الأبوية” التى لا تتفق مع‬

                                                  ‫للمرأة‪ ،‬ولا تستجيب لطموحاتنا و مالنا‪.‬‬                                                       ‫روح‪  ‬المساواة‪.‬‬
                         ‫أما الجانب الثاني‪ ،‬فهو الدور الذى يمكن أن تلعبه المرأة فى عملية‬     ‫إن كل ذلك يعنى أن الدفع فى اتجاه التحديث والنهوض بقضايا‪  ‬المرأة‬
                                                                                             ‫يتطلب نوعا من المراجعة فى الإطار المعرفى والثقافى الذى ننطلق منه‪.‬‬
                                       ‫التحديث‪ ،‬أى المرأة “كفاعل” للتحديث وكقوة للتغيير‪.‬‬     ‫إننا فى حاجة إلى تجديد الثقافة‪ ،‬وفى حاجة أيضا إلى إعادة قراءة‬
                         ‫ونستطيع التأكيد على أن التنمية الحقيقية والتحديث والديمقراطية‬       ‫التراث وتقديمه بفكر مفتوح وعقلية معاصرة‪ ،‬فى الاتجاه الذى يغلب‬
                         ‫لن تتحقق كلها إلا بمشاركة المرأة التى تشكل ‪ %50‬من المجتمع‪ .‬وهو‬
                         ‫ما يتطلب رفع نسبة تمثيلها ومشاركتها فى عملية التغيير على مختلف‬                                          ‫العقل والمصلحة على النقل‪.‬‬
                         ‫المستويات التشريعية والحزبية والتنفيذية‪ ،‬وفى مؤسسات المجتمع المدنى‬  ‫فى هذا السياق أود التركيز بشكل أساسى على علاقة المرأة بالتحديث‬
                         ‫بحيث تشارك فى عملية صنع السياسات وفى توجيه سبل التنشئة‬
                         ‫فى المجتمع وفى غيرها من المجالات التى تتحقق بها عملية التحديث‬                                  ‫والتى أعتقد أن لها جانبين متمايزين ‪:‬‬
                                                                                             ‫الجانب الأول‪ :‬هو المرأة كهدف للتحديث‪ ،‬أو كموضوع للتحديث‪،‬‬
                                                                            ‫فى النهاية‪.‬‬      ‫فإحدى العلامات الأساسية لتحديث المجتمع هى وضع المرأة فيه‪ ،‬ولا‬
                         ‫وفى هذا السياق قد يكون من الضرورى دعم الدور التشريعى للمرأة‪،‬‬        ‫يمكن الحديث عن مجتمع حديث أو عصري‪ ،‬بمعزل عن تحديث وضع‬
                         ‫والتساؤل الذى يثور أمامنا يتعلق بأسباب ضعف تمثيل المرأة فى المجالس‬  ‫المرأة فيه‪  ‬ولا يمكن أن نتحدث عن ذلك المجتمع‪ ،‬ما لم تتمتع فيه المرأة‬
                         ‫النيابية وكيفية تفعيل هذا التمثيل‪ ،‬كما يطرح ذلك أيضا البحث عن‬       ‫بمكانتها الاجتماعية والسياسية والثقافية‪  ‬والاقتصادية‪ ،‬وتتحقق فيه‬
                         ‫أنسب النظم الانتخابية التى تتيح للمرأة فرصة التمثيل الملائم فى‬      ‫مكانتها الإنسانية الكريمة الكاملة‪ .‬ولن يتأتى ذلك إلا بتوجيه عناية‬
                         ‫المجالس النيابية‪ .‬هل هو نظام القائمة‪ ،‬أم الفردى أم نظام الحصص ؟‪.‬‬    ‫خاصة للمرأة فى جهود التنمية من حيث التعليم وتوفير سبل الرعاية‬
                         ‫إن دعم المؤسسات وتفعيلها يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية التحديث‪،‬‬        ‫الاجتماعية ودعم مشاركتها‪  ‬فى المجتمع على كافة المستويات‪ .‬وفى‬
                         ‫بل أن مفهوم “المؤسسية” فى ذاته يقع فى قلب مفهوم التحديث‪ .‬ولا‬        ‫هذا السياق‪ ،‬يهمنى أن‪  ‬أركز بالذات على تحقيق المشاركة السياسية‬
                         ‫يمكن تصور تفعيل المؤسسات دون دفع وتطوير كافة صور المشاركة‬
                         ‫السياسية والاجتماعية والثقافية التى تضمن تمثيلا مناسبا لكافة فئات‬                   ‫للمرأة كعلامة فارقة فى تحديث النظام السياسي‪.‬‬
                                                                                             ‫فالمشاركة السياسية للمرأة لها بعدان أساسيان ‪ :‬الأول‪ ،‬يتعلق بالإطار‬
                                                             ‫المجتمع وفى مقدمتها المرأة‪.‬‬     ‫الدستورى والقانوني‪ ،‬والثانى يتعلق بالمناخ السياسي‪  ‬والبعد الثقافى‬
                         ‫وبنفس المنطق‪ ،،‬هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأحـزاب‬
                         ‫السياسية‪ ،‬والسؤال هو‪ :‬إلى أى مدى تتبنى الأحزاب قضايا مشاركة‬                                                          ‫والاجتماعي‪.‬‬
                         ‫المرأة سواء داخل الحزب خاصة فى المناصب القيادية فيه أو خارج‬         ‫إن الحقوق الدستورية والقانونية أقرت تاريخيا فى إطار التقدم‬
                                                                                             ‫الهائل الذى حدث منذ عصر النهضة الأوروبية وقيام الثورة‪  ‬الفرنسية‬
                                      ‫الحزب من خلال ترشيحه لها على قوائمه الانتخابية‪.‬‬        ‫ثم فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام‪ 1948  ‬الذى وقعت عليه‬
                         ‫إن الأحزاب السياسية بحكم التعريف هى إحدى أهم قنوات التحديث‬          ‫أغلب الدول بعد انقضاء الحرب العالمية‪  ‬الثانية‪ ،‬والذى أعاد صياغة‬
                         ‫السياسى سواء على مستوى الثقافة السياسية أو على المستوى الاجتماعى‬
                         ‫لافتراض تمثيلها القاعدة العريضة من مختلف فئات المجتمع‪ ،‬وتطور‬                        ‫الحقوق والحريات الفردية على مستوى العالم كله‪.‬‬
                         ‫الأحزاب وازدهارها هى أهم ضمانات الحيوية السياسية والفاعلية‬          ‫وهنا أود الإشارة إلى أن إقرار هذه الحقوق والحريات (خاصة بالنسبة‬
                         ‫الديمقراطية‪ .‬ولكن إسهام المرأة المصرية فى العمل الحزبى ما يزال‬      ‫للمرأة) لم يأت دفعة واحدة‪ ،‬فحق التصويت مثلا لم يكن حتى أربعة أو‬
                         ‫للأسف قاصرا‪ .‬وعلينا أن ندعوها‪ ،‬وندعو الأحزاب السياسية جميعها‬        ‫خمسة عقود ماضية على الشكل الذى هو عليه الآن‪ ،‬أى منذ الحرب‬
                                                                                             ‫العالمية الأولى والثانية‪ ،،‬فحتى ذلك الوقت كانت‪  ‬المرأة مستبعدة من‬
                                                         ‫إلى تفعيل الدور الحزبى للمرأة‪.‬‬
                         ‫وربما يشجعنا على ذلك أن المرأة تلعب بالفعل دورا مهما‪ ،‬جديرا‬                                                      ‫“حق التصويت”‪ .‬‬
                         ‫بالثناء على مستوى العمل الأهلي‪ ،‬والجمعيات التطوعية‪ ،‬أو ما نسميه‬     ‫ولقد نص الدستور المصرى فى مادته ‪ 40‬على أن المواطنين “لدى‬
                         ‫“المجتمع المدني”‪ .‬وسجل المرأة المصرية فى هذا المجال مشرف منذ‬        ‫القانون سواء‪ ،‬وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة‪ ،‬لا تمييز‬
                                                                                             ‫بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة”‪.‬ويعنى ذلك‬
                                                                 ‫بدايات القرن العشرين‪.‬‬
                         ‫وأخيرا فإن وضع المرأة كقوة للتغيير والتحديث إنما يتعلق بوضعها فى‬                         ‫أنه من أكثر الدساتير تقدما فى هذا المجال‪.‬‬
                         ‫المجتمع بشكل عام وفى الحياة السياسية والعامة بشكل خاص‪ ،‬وبمدى‬        ‫ويعد دستور ‪ 1956‬أول الدساتير المصرية التى نصت على حق المرأة‬
                                                                                             ‫فى الترشيح والانتخاب‪ ،‬كما أن الشروط التى وضعها قانون مباشرة‬
                                       ‫تأثيرها فيهما من خلال المواقع المختلفة التى تحتلها‪.‬‬   ‫الحقوق السياسية رقم ‪ 73‬لسنة ‪ 56‬لا تتعلق بجنسها كامرأة وإنما بها‬
                                                                                             ‫كمواطنة‪ ،‬فأعطى الحق فى الترشيح لكل امرأة للبرلمان مادامت تتمتع‬
                   ‫‪77‬‬
   72   73   74   75   76   77   78   79   80   81   82