Page 76 - ثقافة قانونية العدد السادس- للنشر الالكتروني
P. 76
ض�� ي� ف�
ا�لعدد
المرأة والتحديث
بقلم:
د .هالة مصطفى
موضـوع (المـرأة والتحديـث) يكتسـب أهميـة كبيـرة ومضاعفـة لكونـه يجمـع بيـن قضيتيـن شـكلتا – وما تـزالان
تشــكلان ـ جوهــر مشــروع النهضــة المصريــة والعربيــة والإســامية الــذى كانــت أولــى انطلاقاتــه فــى أواخــر
القــرن الــ .18فقــد ســجلت هــذه اللحظــة التاريخيــة ـ مــن ناحيــة ـ بدايــة التفاعــل الخــاق مــع الحضــارة الغربيــة
الحديثـة مـن خـال التجربـة الرائـدة لحكـم محمـد علـى فـى مصـر وبدايـة تشـكيل الفكـر العربـى الحديـث .
أو الأصولية) إلى أقصى اليسار ،والتى خلط بعضها بين “التحديث” كما بدأت تتكون -من ناحية أخرى -نخبة وطنية مصرية منفتحة ثــقافة قــــانونية
و”التغريب” كمنطلق للهجوم على المشروع التحديثى الإصلاحي ،أو على العالم وثقافته المعاصرة ،مع انتشار التعليم واتساع قاعدة الطبقة
تلك التى أعطت أولوية لمواجهة التحديات الخارجية على حساب البناء المتوسطة ،والأخذ بأسباب العلم والمعرفة الحديثة ،وهو ما انعكس فى
الداخلي .فافتقدت نقطة التوازن الصحيحة بين الداخل والخارج. حركات الإصلاح الدينى والتنوير الثقافي ،وترسيخ مفاهيم المواطنة
وبالتالى فمن المهم اليوم إعادة الاعتبار لمفهوم التحديث أو بالأحرى والمساواة والحريات العامة والفردية ،ونمو الوعى بقضية تحرير المرأة
المدرسة الفكرية للتحديث لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بعمليات الإصلاح والديمقراطية فضلا عن وضع أول دستور ليبرالى فى البلاد وقيام
والتنمية التى ينهض عليها أى مجتمع. أول تجربة حزبية تعددية فى بدايات القرن العشرين .
ثانى القضايا :طبيعة الدور الذى تلعبه النخبة الفكرية والثقافية فى لقد كانت هـذه الإنجــازات جـزءا لا يتجزأ من المشروع الفكرى
المجتمع وطبيعة الثقافة التى تعبر عنها ويتشكل على أساسها دورها الإصلاحى لتحديث الدولة والمجتمع معا .وبالتالى فمن الصعب معالجة
وتوجهاتها والأولويات التى تنحاز إليها ..فالتحديث والنهوض بقضايا أى قضية من هذه القضايا بمعزل عن القضايا الأخرى ..فالنهوض
المرأة ودفع الديمقراطية وتطوير التعليم وقضايا الإصلاح بشكل عام
كانت كلها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الفكرية ومن المشروع الفكرى بقضية المرأة سيظل مرتبطا بالنهوض بمشروع التحديث ككل.
التحديثى للنخبة المصرية ..فهل مازالت تلك النخبة تلعب نفس الدور فى هذا الإطار أود أن أبدأ بالإشارة إلى أن التحديث فى أوسع
معانية يقوم على التفرقة بين التقليدية والحداثة ،وإذا استندنا هنا
وتمتلك مشروعا فكريا متكاملا للعبور إلى المستقبل؟ إلى إسهامات عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر ،فإن التقليدية هى
ثالث القضايا :يتعلق بالمسألة الثقافية وبالتحديد بمسألة توافر حالة سابقه على مرحلة الدولة القومية وعلى مرحلة العقلانية الثقافية،
“توافق عام” فى المجتمع حول المفاهيم والقواعد الأساسية التى تحكم
التجربة السياسية والاجتماعية برمتها ..أقول توافقا عاما وليس والتصنيع والديمقراطية ..والدستورية القانونية.
إجماعا ولا أخلط بينهما ..توافق بمعنى تراض بين مختلف تيارات وهذا يعنى باختصار أن التحديث ينطوى على عمليات تغيير مستمرة،
وفئات المجتمع حول القيم الأساسية التى تضمن التعايش بينها مثلما تتطلب نضالا طويلا شاقا فى أغلب الأحيان ،مثلما يعنى شموله
تضمن دفع قضايا النهضة والتحديث والتقدم إلى الأمام .فهل هناك لع ّدة مستويات دستورية وقانونية ،ومؤسسية تتعلق بتحديث الأبنية
والمؤسسات ،وأخرى اقتصادية -اجتماعية ،وكذلك مستويات ثقافية
بالفعل توافق عام ؟ تتعلق بنظام القيم وطبيعة الثقافة السائدة ،وربما يكون المستوى الأخير
إن هذا التوافق يغيب عنا فى بعض الأحيان ،وينقسم فى أحيان كثيرة هو أصعب هذه المستويات لكونه يتم ببطء ويواجه فى كثير من الأحيان
إزاء عديد من القضايا الحيوية والهامة .إنها قضية قديمة وجديدة بمقاومة بسبب بعض العادات والتقاليد التي لا تستطيع التكيف مع
معا،وربما يعود عمرها إلى عمر المشروع التحديثى نفسه ،أى منذ بدأت
تتشكل ثقافة جديدة متفاعلة ومستفيدة مع الثقافة العصرية الحديثة، المتطلبات المعاصرة.
فى حين ظلت الثقافة التقليدية الموروثة دون تجديد ،وجوهر المشكلة أن ويقودنى ذلك إلى طرح عدد من القضايا المتعلقة بمسار مشروع
الثقافتين سارتا فى خطين متوازيين ،وهذا التوازى خلق بدوره نمطين التحديث وفى القلب منه قضايا المرأة والديمقراطية والأبعاد الثقافية
مختلفين فى طرق التفكير وفي السلوك والتعامل مع القضايا المختلفة..
وهكذا أخذ يتغلب الاتجاه التحديثى أحيانا وفى لحظات أخرى يتغلب التى ترتبط بها.
الاتجاه التقليدى المحافظ الذى يتحول فى لحظات معينة إلى نوع من أولى هذه القضايا :تتعلق بتراجع المدرسة الفكرية الإصلاحية التى
الأصولية الفكرية .وهى ظاهرة برزت بشدة منذ أواخر الستينيات شكلت القاعدة الأساسية للتحديث فى بدايات القرن العشرين ،وكان
وبالتحديد بعد .1967إن غياب أو ضعف التوافق العام يؤدى إلى رائدها ورمزها الأول رفاعه الطهطاوي ،ثم امتدت فى الرموز الفكرية
عدد من المظاهر الثقافية السلبية لعل فى مقدمتها الجمود الثقافي. الشامخة كطه حسين ومحمد حسين هيكل ،وحسين مؤنس وأحمد لطفى
وأهم مظاهره الاستغراق فى قضايا الماضي ..فكثير من القضايا المهمة السيد وعلى عبد الرازق وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم..
وتمثلت أهم أسباب هذا التراجع فى نمو تيارات فكرية حملت مشاريع
مغايرة ،وهى تيارات اصطفت من أقصى اليمين (مثل التيارات السلفية
أبريل 762025