Page 34 - تنوير 4-8
P. 34
لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا -المجلس الأعلى للثقافة
•هـذا إلـى جانـب النظـر إلـى العلـم فـي ذاتـه ،مـن جهـة مـا تبيـن فـى العلـوم الجزئيـة وخاصـة العلـم الطبيعـي وكأنـه
يصـادر علـى مـا جـاء فـى العلـم الطبيعـي ،أو يخضـع علـم حـدوده وأج ازئـه ،ومكوناتـه الموضوعيـة.
مـا بعـد الطبيعـة لعلـم الطبيعـة ،حيـث صـارت المقدمـات وفيمـا يتعلـق بمسـألة الترتيـب فـى التعلـم عنـد ابـن رشـد؛ فقـد
والنتائـج التـى وصـل إليهـا العلـم الطبيعـي هـى الطريـق كان واض ًحـا بالنسـبة لعلـوم المنطـق ،واسـتقلالها عـن علـم
مـا بعـد الطبيعـة أو عـن العلـوم الأخـرى ،وذلـك لأنـه جعـل
الصاعـد الموصـل للعلـم الإلهـي(.)58
المنطـق هـو الـذى يقـدم منهـج البحـث لـكل فـروع العلـم نخلـص ممـا سـبق :أن د ارسـة تصنيـف العلـوم غايـة فـى
الأهميـة لفهـم حقيقـة المنهـج العلمـي ،وفهـم العلاقـات والمعرفـة مـن خـارج هـذه العلـوم نفسـها ،وذلـك لأنـه آلـة
ال اربطـة بيـن العلـوم ،وفهـم مـدى التطـور الـذي يمكـن أن (أو أورجانـون) أو مدخـل لهـا ،أو علـى حـّد تعبيـره «آلات
يحـدث بيـن العلـوم ،وفـوق كل ذلـك فهـو عنصـر أساسـي، وسـبا ارت وقوانيـن تسـدد الذهـن وتحـّذره مـن الغلـط»، 54
ومتطلب ضروري للتفكير النقدي في مجال العلوم وفلسـفة لذلـك اعتبــر ابـن رشـد أن علـوم المنطـق «تتنـزل مـن النظـر
العلـوم .ويتميـز تصنيـف العلـوم عنـد ابـن رشـد بمـا يلـى: منزلـة الآلات مـن العمـل»( ،)55وبـدون هـذه الآلات لا
جعل المنطق آلة للعلوم ومدخلاً لها جمي ًعا. نسـتطيع النظـر فـى الموجـودات.
مّيز بين المنطق العام ،والمنطق الخاص بكل علم( ،)59أو وابـن رشـد فـى معـرض معارضتـه لأفلاطـون -حيـن قـدم
بالأحـرى بيـن المنهـج الخـاص بالفلسـفة ،والمنهـج الخـاص الأخيـر الرياضيـات فـى التعلـم( -وكذلـك الكنـدي قـدم
بـكل علـم ،أو بيـن فلسـفة العلـم وبيـن العلـم؛ بيـن «الجهـة الرياضيـات) يؤكـد علـى ضـرورة البـدء فـى التعلـم بصناعـة
المطلقـة» للنظـر فـى الموجـودات بمـا هـي موجـودات ،وهـو المنطـق ،ثـم الانتقـال إلـى علـم الرياضيـات علـى الترتيـب
نظـر الفلسـفة الأولـى التـى تنظـر فـى الأنـواع الكليـة .وبيـن الداخلـي :علـم العـدد ،ثـم علـم الهندسـة ،فعلـم الهيئـة،
نظر العلوم الجزئية الذى هو النظر فى الأسـباب العلمية. فالموسـيقى ،ثـم علـم المناظـر ،فعلـم الأو ازن ،وبعدهـا إلـى
لذلـك أصبحـت الفلسـفة تنظـر للأشـياء نظـرة تختلـف عـن علـم الطبيعـة ،ثـم إلـى علـم مـا بعـد الطبيعـة( .)56لكـن
نظـرة العلـوم الجزئيـة ،مـن هنـا يأتـى التفاضـل بيـن العلـوم، تظـل العلاقـة بيـن العلـم الطبيعـي ومـا بعـد الطبيعـي غيـر
مـع إقـ ارر التعـاون والتداخـل فيمـا بينهـا ،وذلـك لاختـاف واضحـة تمامـا عنـد ابـن رشـد ،هـل هـى علاقـة صاعـدة مـن
طبيعـة كل جنـس مـن أجنـاس العلـوم عـن الآخـر بحسـب الطبيعـي إلـى مـا بعـد الطبيعـي؟ أم هـى نازلـة مـن الإلهـي
موضـوع كل علـم ،وبحسـب جهـة النظـر إلـى الموضـوع، إلـى الطبيعـي؟ فـى الواقـع أنهـا صاعـدة ونازلـة فـى آن معـاً.
بالنسـبة لحركـة الصعـود مـن الطبيعـي إلـى مـا بعـد الطبيعـي الـذى ينعكـس بـدوره علـى طابـع البرهـان ونوعـه فـى كل
يؤكـد ابـن رشـد أن علـم مـا بعـد الطبيعـة كأنـه جـاء نتيجـة علـم.
وابـن رشـد ينظـر للعلاقـة بيـن العلـوم علـى إنهـا علاقـة طبيعيـة للنظـر فـى العلـم الطبيعـي ،فيقـول« :ولمـا لاحـت
تداخـل ،أو زيـادة ونقصـان ،أو علاقـة جنـس بأنواعـه فـى العلـم الطبيعـي مبـادئ أُخـر ليسـت فـى هيولـى ،ولا هـي
وفصولـه ..أو علاقـة المـادة بالصـورة. موجـودة بحـال مـا (أى أن وجودهـا ليـس وجـوًدا جزئيـا) ،بـل
موجـودة وجـوًدا مطلًقـا ،كان مـن الواجـب أن يكـون النظـر
من السمات العامة في التصنيفات السابقة: فيهـا لصناعـة عامـة ،تنظـر فـى الوجـود مطلقـاً»( )57وكثيـ اَر
مـا نجـد ابـن رشـد فـى تفسـير مـا بعـد الطبيعـة يشـير إلـى
نجـد أن كل تصنيـف قـام بـه العلمـاء أو الفلاسـفة العـرب
34

