Page 25 - تنوير 4-8
P. 25

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫تصنيف العلوم عند العرب الأوائل‬

                             ‫أ‪.‬د‪ .‬فاطمةإسماعيل‬

‫ُي ّعـد تصنيـف العلـوم مـن المسـائل الضروريـة والمهمـة فـى التفكيـر العلمـي و الفلسـفي علـى السـواء؛ وفـى البحـث‬
‫المنهجـي‪ ،‬والنقـدي بصفـة عامـة ؛ ذلـك لأن الغايـة مـن تصنيـف العلـوم هـي بيـان حدودهـا والعلاقـات القائمـة بينهـا‪،‬‬
‫لمعرفـة مـدى التداخـل أو التبايـن‪ ،‬أو الأعـم والأخـص علـى مسـتوى أجنـاس هـذه العلـوم‪ ،‬وكذلـك علاقـة بعضهـا ببعـض‬

‫علـي مسـتوى الجنـس الواحـًد أعنـى أجـ ازء العلـم الواحـد‪ ،‬الأخرى كعلم النفس‪ ،‬وعلوم اللغة‪ ،‬وعلم الاجتماع‪...‬إلخ(‪.)4‬‬
                                                                                                                   ‫كمـا يرتبـط بهـا أيضـا مسـألة تعليـم هـذه العلـوم‪ ،‬وكذلـك‬
‫وممـا لاشـك فيـه أن الاهتمـام بتصنيـف العلـوم‪ ،‬وإبـ ارز‬                                                            ‫يرتبـط بمـدى تطـور العلـوم مـن عصـر إلـى آخـر‪ .‬ويعبـر‬
‫مـا بينهـا مـن علاقـات يـؤدى إلـى معرفـة مـدى تطـور العلـوم‬                                                        ‫جابـر بـن حيـان عـن هـذا المعنـى بقولـه‪ ،‬حيـن يميـز بيـن‬
‫مـن جهـة‪ ،‬ومـن جهـة أخـرى ينبـه علـى نقـاط التخلـف فـى‬                                                             ‫حـدود العلـوم مـن جهـة تعلمـه‪ ،‬وحـدوده مـن جهـة اسـتقلالها‬
‫أحـد العلـوم‪ ،‬أو فـى مجموعـة منهـا‪ ،‬ممـا يدفـع إلـى إقامـة‬                                                         ‫الموضوعـي فيقـول‪ »:‬وإذ قـد أتينـا علـى حـدود العلـم بهـذه‬
‫التوازن المعقول فى الحركة العلمية(‪ ،)5‬الأمر الذى يسـاعد‬                                                            ‫الأشـياء مـن طريـق التعليـم؛ فنذكـُر حدودهـا أنفسـها ليكـون‬
‫أيضا على محاولة تطوير بعض العلوم‪ .‬وهو أمر قد تنبه‬
‫لـه اليونانيـون(‪ ،)6‬كمـا تنبـه إليـه أيضـا الفلاسـفة والعلمـاء‬                                                                                           ‫الكتـا ُب تا ّمـاً(‪.)1‬‬

‫وينبغـى التفرقـة بيـن وضـع إحصـاء للعلـوم المعروفـة فـى العـرب‪ ،‬علـى نحـو مـا سـنبين‪.‬‬

‫ولمـا كانـت العلاقـات بيـن العلـوم تتغيـر فيمـا بينهـا‬                                                             ‫عصـر مـا‪ ،‬وبيـن وضـع تصنيـف أو تقسـيم للعلـوم يضعـه‬
‫عبـر التاريـخ‪ ،‬وكذلـك تتغي ارلعلاقـة بيـن الموضوعـات‬                                                               ‫فيلسـوف مـا بغيـة إظهـار الحـدود والعلاقـات بيـن العلـوم‪ .‬إذ لا‬
‫التـي تدرسـها العلـوم؛ ينتـج عـن ذلـك تغُيـر تصنيفـات‬                                                              ‫شـك أن التصنيف الذى يضعه فيلسـوف ما ي ارعي فيه ترتيبا‬
‫العلـوم مـن عصـر إلـى آخـر‪ ،‬وربمـا مـن فيلسـوف إلـى‬                                                                ‫محـدًدا‪ ،‬إنمـا هـو يعبـر فـى النهايـة عـن مذهـب هـذا الفيلسـوف‬
‫آخـر‪ ،‬طبقـا لنظريـة العلـم عنـده‪ ،‬وطبقـا لنظريـة العلـم‬                                                            ‫ومنهجـه فـى آن م ًعـا‪ ،‬وتحديـدا عـن نظريتـه فـي العلـم‪ .‬فليـس‬
‫السـائدة فـي هـذا العصـر أو ذاك‪،‬بمـا تتضمنـه مـن أبعـاد‬                                                            ‫تصنيـف أفلاطـون الـذى يقـدم الرياضيـات فـى التعلم‪ ،‬كمذهب‬
‫إيديولوجية‪،‬واجتماعيـة‪ ،‬وسياسـية‪ ،‬ودينية‪..‬إلـخ‪ ،‬هـذا‬                                                                ‫أرسطو الذى يقدم المنطق باعتباره آلة أو مدخلاً لكل العلوم‪.‬‬
‫بجانـب العناصـر الموضوعيـة المسـتمدة مـن المقومـات‬                                                                 ‫لذلـك يقـول كارلونالينـو‪«:‬إن مسـألة تعريـف علـم وتحديـد‬
                                                                                                                   ‫موضوعه وارتباطه بسـائر العلوم‪ ،‬مسـألة مهمة جًدا لما تؤثر‬
           ‫الأساسـية لنسـق المعرفـة العلميـة نفسـه(‪.)7‬‬
                                                                                                                           ‫أحيانـاً فـى نمـو ذلـك العلـم مـن التأثيـر العظيـم»(‪.)2‬‬
‫إن مهمـة وضـع تصنيـف للعلـوم هـي مهمـة منوطـة‬
‫بالفيلسـوف أساسـاُ‪ ،‬وليسـت من مهمة العاِلم‪ ،‬ولا تدخل في‬                                                            ‫ودارس الفلسـفة (وبخاصـة المنطـق) يـدرك تمامـاً أن‬
‫بـاب علـم مـن العلـوم‪ -‬علـى نحـو مـا صـرح ابـن الهيثـم‪،‬‬                                                            ‫المنطـق الرياضـى هـو نتيجـة لد ارسـات عميقـة وجـادة لعلاقـة‬
                                                                                                                   ‫المنطـق بالرياضيـات‪ ،‬ومـدى الارتبـاط الوثيـق بينهمـا حتـى‬
‫فـي النـص المشـار أعـاه بخصـوص الحـدود‪ -‬بـل هـو علـم‬                                                               ‫بـدا عنـد بعـض الفلاسـفة كأنهمـا شـيء واحـد وهـو مـا ذهـب‬
                                                                                                                   ‫إليـه «برت ارندرسـل»(‪ .)3‬ولـم تقتصـر العلاقـة بيـن العلـوم علـى‬
‫قائـم بذاتـه‪ ،‬و لـه أهميـة كبـرى‪ ،‬لـه موضوعـه الخـاص مـن‬                                                           ‫علاقـة المنطـق بالرياضيـات فحسـب‪ ،‬بـل بغيرهـا مـن العلـوم‬
‫وحُييقـِّسـثميهتا‪،‬حـد وثُيوعِـّضـنحالعلـمووم‪:‬ضُيوحعاتِّصهـياهـا‪،‬وغواُييارِتّتبههاـا‪..،.‬إولـُيخ‪،‬صِّنف لهــاذا‪،‬‬
                                                                                                               ‫‪25‬‬
   20   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30