Page 29 - تنوير 4-8
P. 29

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫فـي تعريفاتـه‪ ،‬أو فـي تقسـيمه للعلـوم يركـز علـى الجانـب «علـم الصنعـة»‪ ،‬وأمـا العملـي فهـو الـذي يسـميه»علم‬

‫الـذي يتعلـق بتخصصـه‪،‬إن صـ ّح التعبير‪،‬كمـا نجـده‪ ،‬رغـم الصنائـع»‪ ،‬ويقصـد بهـا الوسـائل التجريبيـة التـي لابـد منهـا‬
‫أنـه يميـز بيـن العلـم الفلسـفي و العلـم الإلهي‪،‬مـن حيـث فـي علـم الصنعـة؛ ولـب اللبـاب فـي علـم الصنعـة هـذا(=‬

‫اختـاف موضـوع كل منهمـا‪ ،‬فالعلـم الفلسـفي هـو العلـم علـم الكيميـاء) هـو أن نصـل إلـى المـادة الصابغـة التـي‬
        ‫بحقائـق الموجـودات المعلومـة‪ ،‬والإلهـي هـو العلـم بالعلـة تحيـل الفضـة ذهبـا أو تحيـل النحـاس فضـة‪.29‬‬

‫إن المهـم فـي تصنيـف جابـر هـو اعتبـاره علـم الكميـاء‬                ‫الأولـي‪ ،‬إلا أنـه يربـط بينهمـا بربـاط علـم الحـروف وعلـم‬
‫مـدار العلـوم الدنيويـة بـل ينظـر إليـه باعتبـاره أشـرف هـذه‬         ‫المعانـي‪ ،‬حيـن يدخـان تحـت علـم معانـي الحـروف‪ ،‬ممـا‬
‫العلـوم‪ .‬وهـذا يتمشـى مـع توجهـه العلمـي كمـا أشـرنا‪ ،‬أمـا‬           ‫يؤكـد أهميـة اللغـة بالنسـبة للعلميـن معـا‪ ،‬لأن علـم المعانـي‬
‫قسـمة العلـوم قسـمة ثنائيـة تجمـع بيـن العلـوم الشـرعية و‬            ‫‪،‬أي معاني الكلمات يمثل الجانب العقلي في علوم الدين‪،‬‬
‫العلـوم الدنيويـة‪ ،‬أيضـا قسـمة تعبـر عـن الطابـع الثقافـي‬            ‫وهـو العلـم المحيـط بمباحـث الحـروف الأربعـة‪ :‬هـل‪ ،‬مـا‪،‬‬
‫للمجتمـع الـذي ينتمـي إليـه جابـر‪ .‬ومهمـا كان تأثـر جابـر‬
                                                                          ‫كيـف‪ ،‬لـم (الهلّيـة‪ ،‬و المائيـة‪ ،‬و الكيفيـة‪ ،‬واَّللمّيـة)‪.‬‬

‫غيـر أن وضعـه للعلـم الفلسـفي و العلـم الطبيعـي‪ ،‬بعلـوم السـابقين‪ ،‬إلا أنـه يختلـف عنهـم‪ ،‬كمـا هـو أنـه لا‬

‫يتبـع التقليـد الأرسـطي فـي تقسـيم العلـوم‪ .‬فقـد انفـرد بترتيـب‬      ‫والتصـوف تحـت علـم الديـن غيـر مفهـوم لـي‪.‬‬

‫غيـر أن أسـتاذنا الدكتـور زكـي نجيـب محمـود يبـرر العلـوم علـى النحـو المشـار إليـه أعـاه‪.‬‬

‫تصنيـف جابر‪،‬ويوضـح مقاصـده‪ ،‬حيـن يلخـص النقـاط لكن توجد رؤية إبستمولوجية لهياكل تصنيف العلوم في‬

‫الفكـر الإبسـتمولوجي عبـر تاريخهـا الطويـل‪، 30‬وهـي رؤيـة‬             ‫البـارزة فـي هـذا التصنيـف‪ ،‬نعرضهـا فيمـا يلـي‪:‬‬

‫منهجيـة نقديـة جديـرة بالاعتبـار‪ ،‬يعرضهـا أسـتاذنا الدكتـور‬          ‫أولاً‪ :‬إن جابـر يفـرق بيـن مـا هـو علـم دينـي ومـا هـو علـم‬
‫حسـن عبـد الحميـد‪ ،‬فيقـوم بتبسـيط هيـاكل تصانيـف العلـوم‪،‬‬            ‫دنيـوي علـى أسـاس زمـن الانتفـاع بالثمـرة‪ ،‬فـإن كان هـذا‬
                                                                     ‫الانتفـاع بعـد المـوت كان علمـا دينيـا‪ ،‬وإن كان قبـل المـوت‬
                      ‫عبـر تاريخهـا‪ ،‬إلـى ثلاثـة هيـاكل‪:‬‬
                                                                                                         ‫كان علمـاً دنيويـاً‪.‬‬
‫(أ) الهيـكل الشـجري‪ :‬وهـو أقـدم هيـكل لإيجـاد علاقـات‬
‫وأوجـه شـبه بيـن العلـوم‪ ،‬ويعـود بجـذوره إلـى شـجرة المعرفـة‬         ‫ثانيــاً‪ :‬إنـه يميـز فـي علـوم الديـن بيـن علـم يقـوم علـى‬
‫كمـا ُذ ِّكـرت فـي التـو ارة‪ ،‬ممـا جعـل البعـض حـاول إيجـاد‬          ‫النـ ّص قيامـا مباشـ اًر‪ ،‬وعندئـذ إمـا أن تأخـذ النـص بظاهـره‪،‬‬
‫روابـط بينهـا وبيـن تصنيـف العلـوم الـذي ورد تحـت اسـم‬               ‫وإمـا أن تأخـذه بتأويلاتـه الخفيـة الباطنـة‪ ،‬وعلـم يقـوم علـى‬
‫“شـجرة المعرفـة” عنـد بعـض الفلاسـفة مـن أمثـال فرفريـوس‬             ‫الأحـكام العقليـة التـي ُيقـاس فيهـا موضـوع الحكـم علـى‬
‫الصـوري فـي القـرن الثالـث الميـادي‪،‬أو فرنسـيس بيكـون‬                ‫شـيء سـواه؛ وهـا هنـا لابـد لنـا مـن منطـق يدقـق النظـر فـي‬
‫فـي القـرن السـابع عشـرن وهـو هيـكل ُنسـتفاد مـن الطبيعـة‬            ‫الكلمـات و الجمـل‪ ،‬لأن العقـل مـداره قضايـا وأحـكام‪ ،‬وهـذه‬
‫أيضـا‪ ،‬فالمعرفـة مثلهـا مثـل الشـجرة لهـا جـذر وجـزع‬
‫وأغصـان‪ ،‬وهـو نفـس الهيـكل الـذي ذكـره ديـكارت‪ ،‬وفيـه‬                      ‫مؤلفـة مـن كلمـات‪ ،‬و الكلمـات مؤلفـة مـن أحـرف‪.‬‬
‫تنقسـم الشـجرة إلـى فرعيـن أساسـيين أو أكثـر‪ ،‬وتتـوزع بعـد‬
                                                                     ‫ثالثــاً‪ :‬يجعـل جابـر علـم الصنعـة (أي علـم الكيميـاء)‬
          ‫ذلـك الفـروع الأساسـية إلـى أغصـان فرعيـة‪31.‬‬               ‫قطـب الرحـى فـي علـوم الدنيـا؛ وكأنمـا يقسـمه قسـمين‪:‬‬
                                                                     ‫نظـري وعملـي؛ فالنظـري منـه هـو الـذي يقصـر عليـه اسـم‬

                                                                 ‫‪29‬‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34