Page 27 - تنوير 4-8
P. 27

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫سـأقف عنـد بعـض التصنيفـات لإظهـار مـا بهـا مـن‬                                                               ‫وبالفعـل حـرص مفكـرو العـرب علـى الاهتمـام بتصنيـف‬
‫علاقـات‪ ،‬ثـم نسـتخرج فـي النهايـة بهـض السـمات العامـة و‬                                                      ‫العلـوم‪ ،‬بـل كتـب بعضهـم رسـائل مسـتقلة فـى هـذا الأمـر‪،‬‬
                                                                                                              ‫وبعضهـم وضـع تصنيفـه ضمـن كتبـه المؤلفـة‪ ،‬ومـن أقـدم‬
                 ‫الخاصـة التـي يمكـن أن نقـف عندهـا‪:‬‬                                                          ‫التصانيف العربية‪ ،‬تصنيف جابر بن حيان ‪160‬هـ‪ .‬الوارد‬
                                                                                                              ‫فـى كتابـي «الحـدود»‪ ،‬و»إخـ ارج مـا فـى القـوة إلـى الفعـل»‬
                      ‫‪ -1‬تصنيف جابر بن حيان للعلوم‪:‬‬                                                           ‫ضمـن رسـائل جابـر بـن حيـان التـى نشـرها بـول كـ اروس(‪.)13‬‬

‫أول مـا يظهـر لـى مـن علاقـات واضحـة لـدى جابـر‬                                                               ‫وهنـاك أيضـا تصنيـف الكنـدي (ت ‪260‬هـ‪873-‬م)‬
                                                                                                              ‫لعلـوم عصـره الـذى يخالـف التصنيـف الأرسـطي(‪)14‬؛ مـن‬
‫بـن حيـان هـو وعيـه التـام بالعلاقـة الوثيقـة بيـن الحـدود‬                                                    ‫حيـث يقـدم فيـه الكنـدي العلـم الرياضـي كمقدمـة ضروريـة‬
                                                                                                              ‫ومدخـل لتحصيـل الفلسـفة قبـل تعلـم كتـب أرسـطو علـى‬
‫و تصنيـف العلـوم؛ فـا يبـدأ جابـر تصنيفـه للعلـوم إلا‬                                                         ‫ترتيبهـا‪ ،‬وهـى المنطـق والطبيعيـات‪ ،‬وعلـم النفـس‪ ،‬ومـا بعـد‬
                                                                                                              ‫الطبيعيـات‪ ،‬والأخـاق والسياسـة‪ .‬فهـو يجعـل تعلـم هـذه‬
‫بعـد أن يتكلـم عـن الحـدود؛ معناهـا‪ ،‬وأهميتهـا‪ ،‬وأهدافهـا‪،‬‬                                                    ‫العلـوم بعـد تعلـم الرياضيـات‪ ،‬كمـا أننـا نجـد أنـه فصـل علـم‬
                                                                                                              ‫النفـس عـن الطبيعيـات‪ ،‬كمـا أضـاف إلـى تصنيفـه العلـوم‬
‫ودلالاتها‪...‬إلـخ‪ ،‬فيقـول فـي تحديـده المـ ارد مـن الحـّد‪:‬‬
‫«إن الغـرض بالحـّد هـو الإحاطـة بجوهـر المحـدود علـى‬                                                                                                    ‫الديني ـة(‪.)15‬‬
‫الحقيقـة‪ ،‬حتـى لا ي ْخـرج منـه مـا هـو فيـه‪ ،‬ولا يدخـل فيـه مـا‬
‫ليـس منـه‪ .‬لذلـك صـار لايحتمـ ُل زيـادًة ولا نقصانـاً»(‪.)25‬‬                                                   ‫واسـتمر الإنجـاز العربـي فـى مجـال تصنيـف العلـوم‬
                                                                                                              ‫مـع الفا اربـي(‪( )16‬ت‪339‬هـ)‪ ،‬وإخـوان الصفـا(‪،)17‬‬
‫ثـم ينتقـل بعـد ذلـك إلـى تصنيـف العلـوم وأقسـامها‪ ،‬ثـم‬                                                       ‫والخوارزمى الكاتب(‪( )18‬ت‪387‬هـ‪997/‬م)‪ ،‬وابن سـينا(‪)19‬‬
                                                                                                              ‫(ت‪428‬هـ‪1037/‬م)‪ ،‬والغ ازلـي(‪( )20‬ت ‪505‬هـ‪1111/‬م)‬
‫يأتـي بعـد ذلـك بحـدود هـذه العلـوم‪ ،‬وحـدود الأشـياء التـي‬                                                    ‫وتواصـل الجهـد العربـي مـع ابـن رشـد (ت‪595‬هـ‪/‬‬
                                                                                                              ‫‪1198‬م) وابـن خلـدون(‪808( )21‬هـ‪1406/‬م)‪ ،‬وتصنيـف‬
‫بهـا تقـوم العلـوم‪ .‬فيقـول‪« :‬وإذ قـد بـان هـذا مـن أمـر الحـّد‪،‬‬                                               ‫طـاش كبـرى ازدة (‪968‬هـ‪1560/‬م)‪ ،‬وهـو التصنيـف‬
‫حقيقـة المحـدود‪،‬‬      ‫علـى‬  ‫الغـر ُض بـه‪ ،‬وكيفيـة دلالاتـه‬                           ‫ووضـح‬                    ‫الـذى اعتبـره بعـض الباحثيـن أكمـل التصنيفـات(‪ )22‬العربيـة‬
‫زيـادِة ونقصـان‪،‬‬      ‫م ـن‬  ‫مـا ينقـ ُص منـه ويزيـُد فيـه‬                            ‫وظه ـر‬                   ‫كمـا جـاء فـى كتابـه «مفتـاح السـعادة ومصبـاح السـيادة»؛‬
                                                                                                              ‫حيـث جعـل التصنيـف عل ًمـا مسـتقلاً‪ ،‬عّرفـه طـاش كبـرى‬
‫يمْحنـتَـاه ُجولاإلـيىزيـِذدْكـفِيرـهحـمدـوندهاللتزُيـعاـَدارفت؛حَفقلاَنئُقُقــُْله‬  ‫لا ينقـ ُص‬  ‫وم ـا‬        ‫ازدة بأنـه‪« :‬علـم باحـث عـن التـدرج مـن أعـم الموضوعـات‬
                                                                                     ‫حـدوِد مـا‬  ‫ف ـي‬         ‫إلـى أخصهـا؛ ليحصـل بذلـك موضـوع العلـوم المندرجـة‬
                                                                                                              ‫تحـت ذلـك الأعـم‪ ،‬ويمكـن التـدرج فيـه مـن الأخـص إلـى‬
‫الكتـب فـي‬  ‫هـذه‬      ‫علـى الصحـة؛ َفتُْعلـم‪ ،‬عنـد ذكرنـا لهـا فـي‬
‫لا يتطـرق‬   ‫ِعْلمـاً‬  ‫مواضعهـا الخاصـة بهـا لـكل واحـد منهـا‪،‬‬                                                                                    ‫الأعـم كذلـك»(‪.)23‬‬

                                                                                     ‫إليـه الشـ ُّك(‪.)26‬‬      ‫ومن التصنيفات العربية الأخرى‪ ،‬تصنيف التهانوي (محمد‬
                                                                                                              ‫علـى الفاروقـى‪ ،‬المتوفـى فـى القـرن الثانـى عشـر الهجـرى)‪،‬‬
‫فالتعريف عنده إذن هو التوصل إلى الماهية عن طريق‬
‫الجنـس‪ ،‬وهـو مـا عبـر عنـه بالإحاطـة بجوهـر المحـدود‪،‬‬                                                               ‫فـى كتابـه المشـهور‪ :‬كشـاف اصطلاحـات الفنـون(‪.)24‬‬
‫والفصـل‪ .‬واشـت ارط الفصـل أو الخاصـة فـي التعريـف أمـر‬
‫لـه دلالتـه حتـى لا يدخـل فـي الشـئ مـا ليـس مـن صفاتـه‬
‫الأساسـية ولا يخـرج منـه مـا هـو مـن مقومـات الضروريـة‪.‬‬
‫ولذلك كان التعريف التام جامعا لما هو أساسـي في الشـئ‬
‫يميـزه عـن غيـره ويمنـع مـا ليـس خاصـة لـه مـن الدخـول‬
‫فيـه‪ .‬ومـن هنـا كانـت تسـمية التعريـف بالجامـع المانـع(‪.)27‬‬

       ‫وفيمـا يلـي مخطـط بالعلـوم كمـا يصنفهـا جابـر(‪)28‬‬

                                                                                                          ‫‪27‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32