Page 103 - merit mag 36- dec 2021
P. 103

‫نون النسوة ‪1 0 1‬‬

                                                         ‫عبد الغفار العوضي‬

                  ‫الوجود المتآكل‪..‬‬
‫التداعي الحر للذات وانهيار المعني‬

 ‫الحداثة‪ ،‬والتي فجرت كل الأسس القديمة التي تمتلك‬         ‫أزمة الهوية وكتابة الذات المتعددة الدلالة‬
‫تعري ًفا أرثوذوكسيًّا للذات‪ ،‬في ارتباطها بالمنشأ الديني‬
‫والقومي والسياسي‪ ،‬هذا التشظي المفهومي الذي خلق‬              ‫في المشهد الشعري المعاصر نلمح تنويعات شتى‬

  ‫إشكالية كبيرة للمجتمعات الحديثة التي خرجت من‬                ‫في كتابات قصيدة النثر‪ ،‬هناك امتداد واضح منذ‬
 ‫الأطر القديمة للدول ما قبل الرأسمالية‪ ،‬والتي أعادت‬          ‫فترة التسعينيات التي أسست للمقولات الرئيسية‬
                                                             ‫لقصيدة النثر‪ ،‬مستمدة من أصولها النظرية سواء‬
   ‫دمج الإنسان في المنظومات الإنتاجية الجديدة‪ ،‬هذا‬           ‫من المدارس الفرنسية أو الأمريكية‪ ،‬والتي حددت‬
‫التطور الجذري شكل انسلا ًخا هائلا للمفاهيم القيمية‬
 ‫والجمالية والثقافية للإنسان الحديث‪ ،‬ربما أدخله في‬             ‫في كثير من الأحيان استراتيجيات الكتابة الفنية‬
 ‫جدل مستمر واستنزافي ليعيد تعريف نفسه و»ذاته»‬              ‫والمعمارية والتركيبات المجازية للنص‪ ،‬وحتى أبعاده‬

                 ‫داخل هذا الإطار الجديد للمجتمع‪.‬‬             ‫الفلسفية المحمولة على مضامين معرفية وتاريخية‬
  ‫مع هذا الجدل المستمر والحي‪ ،‬أصبح لوجود الذات‬                 ‫تتقاطع مع الأصول الأدبية الغربية‪ ،‬وأي ًضا مع‬
   ‫وترسخها داخل النص الحديث مركزيته المستقرة‪،‬‬
                                                         ‫الأصول المعرفية للبيئة العربية والمصرية‪ ،‬ومرجعياتها‬
     ‫ولكن تختلف بالتأكيد طبيعة تلك المركزية ومدي‬             ‫التاريخية والأنثروبولوجية الموروثة‪ ،‬هذه المعايير‬
 ‫تأثيرها في رسم المصائر التي تؤول إليها تلك الذوات‬
                                                          ‫الفنية المرتبطة بآليات إنتاج النص‪ ،‬من حيث التكثيف‬
   ‫الباحثة عن المعنى‪ ،‬والحفاظ على روح «الهوية» من‬        ‫في اللغة‪ ،‬والتركيبات الاستعارية والكنائية‪ ،‬والإحالات‬
      ‫التشتت والانسلاخ والتحطم تحت وطأة الحياة‬
              ‫المعاصرة وإشكالياتها المعرفية الثقيلة‪.‬‬           ‫المعرفية إلى النصوص التاريخية خاصة الدينية‬
                                                               ‫والكتابات الصوفية‪ ،‬تلك الآليات التي استثمرت‬
          ‫أصابع مقضومة‪..‬‬                                    ‫الرؤية «الأدونيسية» في الكتابة بتنويعاتها المختلفة‪،‬‬
  ‫كيف تخلق الذات نفسها عبر الندم والغياب‬                  ‫ومنها أي ًضا النصوص التي ابتعدت تما ًما في إحالاتها‬
                                                                ‫التأويلية عن المرجعيات الأيديولوجية السائدة‪،‬‬
  ‫ما نراه هنا في نصوص الشاعرة «ديمة محمود» في‬                 ‫فلم تعد مرتبطة بالقضايا الاجتماعية والسياسية‬
‫ديوانها «أصابع مقضومة في حقيبة»‪ ،‬الصادر عن دار‬             ‫بأشكالها المباشرة‪ ،‬وإنما انبعثت بشكل أساسي من‬
                                                             ‫أزمة «الهوية الذاتية» وتشكلاتها في عوالم ما بعد‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108