Page 196 - merit mag 36- dec 2021
P. 196
العـدد 36 194
ديسمبر ٢٠٢1 أن نبرز الفارق الشاسع بين
بساطة الصحفي وبساطة
(ديوان « كن شجاعا هذه الآلام ،كما يستدعي نيتشة الشاعر ،فبساطة الأول
المرة» ،صص.)٥٤ -٥٣ في العود الأبدي وكامو في قد تخل بمصداقيته أمام
والبساطة عند داود ترادف أسطورة سيزيف ،ولكنه لا
السهولة ،فبساطة التعبير يصل إلى قمة العدم كما عند الناس لأنها قد تظهر حقيقة
تعكس سهولة التجربة، الأول ولا إلى ذروة العبث وتحجب أخرى ،أما بساطة
كما عند الأخير ،لكنه يردد الأخير فمن شأنها أن تدعم
وهو ينجح بجدارة في مع ديكارت أن الله تعالى
اختزال رحلة الحياة كلها، هو الضامن الوحيد للحقيقة هذه المصداقية ،ليس فقط
بكل نجاحاتها وإخفاقاتها، لأن «أجمل الشعر أكذبه»،
في نهاية القصيدة عندما لكن لأن للبسيط وللمألوف
في كلمات قليلة ،سهلة يقول «نحن طيبون ..ويعلم
ومعبرة ،فيقول في قصيدة وظيفة جمالية هامة في
الله». مضمار الكتابة الأدبية بعامة،
«عودة»: ويصف داود بساطة
«كان ذلك سه ًل: العالم الذي يعيش فيه والشعرية بنحو خاص.
بعبارات بسيطة ومعان يتحقق ذلك بفعل الشعر
أن تولد وتكبر عميقة تضرب بجذورها نفسه الذي يملك القدرة على
وتسكن بيو ًتا ضيقة.. في تفاصيل الحياة اليومية إضاءة المعني بأن ُيكسب
وأشيائها التي تحاصره الكلمة التي تبدو عادية
بعيدة من كل ناحية ،يعيش أياما
وتنام في الخلاء متشابهة ،ويبدد طاقته في ومستهلكة أل ًقا خا ًّصا.
رحلة مكللة بالأسي ولا ففي قصيدة «طيبة» يقول:
وتقع يطمع في شيء سوى أن هناك دائ ًما ما يبرر تعاستنا
وتقوم يظل العالم على حاله ،وألا نسأل أنفسنا كل مرة :ومتي
وتترنح يتجاوز أحد حدوده.
وتحب بصدق وعن هذا المعني يحدثنا عبر نجونا؟
وتتعثر قصيدة «حدود» قائ ًل: نستدرج الذكريات الأليمة
كان سه ًل التعامل مع
الضيق «عالمنا بسيط: «نستدرجها كلها»..
كان سه ًل.. أرصفة ومنازل وتبغ فنشعر بالزهو
الرجوع إلى البيت» وأغان معتقة ..للطريق
(كن شجاعا هذه المرة، لأن الذي قطع كل هذه
ص.)١٧ حين تعبر الريح المسافة
ويعتبر احتفاظ الشاعر نخاف،
بروح الطفولة وذكرياتها وهو ينزف
البعيدة ملم ًحا أساسيًّا من وحين يشتد البرد.. لن تغلبه تعاسات الدنيا
ملامح البساطة الشعرية ولا تظهر حرارتنا إلا
التي تستمد منها القصائد نحن طيبون..
جمالياتها .ففي قصيدة في لحظات الوداع ويعلم الله»
بديعة بعنوان «يحدث ..
كثي ًرا» يستدعي داود (ديوان «كن شجاعا هذه
تجربة طفولية مشتركة لم «نزاحم» أح ًدا على شيء المرة» ،دار ميريت ،القاهرة،
مررنا بها جمي ًعا ،لكننا، فقط نريد أن يظل النهر في
مثل تفاصيل كثيرة ،لم نعد ،٢٠١٩ص.)١٣
نتذكرها ،وربما لا نجد مكانه وهنا تتحول الطيبة من
وأن نذهب إلى النوم كلمة يومية دارجة إلى
مفهوم نفسي واجتماعي،
آمنين».. بل وفلسفي يرادف المعاناة
ويستدعي الفخر على تحمل