Page 8 - Pp
P. 8

‫مع الأصدقاء‪ ،‬لا يدري بماذا تعثَّر في الزقاق المظلم أثناء عودته‬
‫إلى البيت‪ ،‬أتعثَّر بجرو غا ٍف أم قطة نافقة أم بكوم من قمامة‬
‫أم صفيحة متبعجة‪ ،‬أو أن حذاءه ربما خاض في مياه ضحلة‪،‬‬
‫لا يستطيع الذهاب إلى نادي المعلمين الليلة وحذاؤه هذا كحذاء‬
‫متش ِّرد‪ ،‬لا يمكن التساهل في الأمر‪ ،‬عليه أن ينظفه ويمسحه‬
‫ويدهنه ويلمعه ليعود من جديد حذا ًء يليق بمدرس لغة إنجليزية‪،‬‬
‫معروف لدى الطلاب جمي ًعا أنه ينطق الحروف والكلمات‬

             ‫الإنجليزية كما ينطقها أهل تلك اللغة في بريطانيا‪.‬‬
‫لكن قبل أن يبدأ بهذه أو تلك‪ ،‬قام إلى التلفزيون يفتحه‪ ،‬فس َّره أن‬
‫يسمع المذيعة تعلن بصوتها الرخيم أن فيلم الجمعة الصباحي هو‬
‫«كازابلانكا» فارتاح للمفاجأة‪ ،‬كازابلانكا فيلم حسن الصيت‪ ،‬مثَّل‬
‫أدواره الرئيسة كبار نجوم السينما‪ ،‬وفاز بجوائز عالمية معروفة‪.‬‬
‫سيرى «إنجريد برجمان» التي ما ارتقت ممثلة سينما أب ًدا إلى‬
‫جمالها وروعتها في الأداء‪ ،‬ويرى «همفري بوكارت» معها‪ ،‬فماذا‬
‫يريد أكثر من هذا في يوم جمعة كهذه! نسي أوراق الامتحانات‬
‫والكعك بالسمسم ونسي حذاءه الذي بحاجة للتنظيف والتلميع‪.‬‬
‫بدأ الفيلم وجلس لا يريد أن يقطع أحد عليه متابعة الأحداث‪،‬‬
‫سارت الأمور على ما يرام إلى أن وصل المشهد الذي ضم البطلين‬
‫في حانة الميناء‪ ،‬وقد جلسا يشربان الإسبريسو وقبلها سمع‬
‫وشيش ماكنة القهوة وشهقاتها المتكررة بالبخار المندفع ورائحة‬
‫البن البرازيلي النفاذة تصل إلى سمعه فيشمها كما لو كان قريبًا‬

                                          ‫من ماكنة القهوة‪.‬‬
‫ما أطيب رائحة ال ُبن المطحون‪ ،‬وما أحلى إنجريد برجمان في‬
‫معطفها الصوفي الناعم ب ُحمرته الداكنة‪ ،‬سحر آسر لا يفلت منه‬

                                                                                ‫‪8‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13