Page 259 - merit 36- dec 2021
P. 259

‫‪257‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫شخصيات‬

     ‫وصوتها عورة‪ ،‬بل وحتى‬                       ‫نبوية موسى‬             ‫متميزة‪ ،‬لا تضاهيها‪ ،‬بحال من‬
   ‫اسمها عورة‪ ،‬تعرض شرف‬                                                 ‫الأحوال‪ ،‬المرأة الغربية‪ .‬إلا أن‬
   ‫الرجل وقوامته للقيل والقال‬      ‫أما بالنسبة للمرأة الريفية‪ ،‬فلا‬
   ‫لما جبلت من نقص في الذكاء‪،‬‬      ‫شك أن مسئولياتها وواجباتها‬             ‫واقع المرأة في بدايات القرن‬
‫وسوء تقدير مما يجعلها عرضة‬                                                 ‫العشرين كان يظهر بجلاء‬
                                      ‫تتضاعف‪ ،‬فهي عماد المنزل‬          ‫تدني مكانة المرأة العربية عامة‪،‬‬
               ‫لإغواء الشيطان‪.‬‬       ‫الريفي‪ ،‬والمسئولة الأولى عن‬      ‫والمصرية خاصة‪ ،‬بقصر دورها‬
   ‫يردد دعاة التخلف‪ ،‬إلى يومنا‬    ‫كل احتياجاته‪ ،‬من مأكل وملبس‬         ‫الاجتماعي على الانجاب وخدمة‬
                                                                       ‫الرجل‪ .‬كان ميلاد الفتاة في حد‬
       ‫هذا‪ ،‬أن الحركة النسائية‬         ‫وتمريض ورعاية للأطفال‪،‬‬            ‫ذاته مدعاة لامتعاض العائلة‪،‬‬
      ‫العالمية ما هي إلا مؤامرة‬       ‫فيبدأ يومها بسد احتياجات‬             ‫بل ومهد ًدا المرأة بأن يتخذ‬
 ‫غربية صليبية‪ ،‬تستهدف الأمة‬                                            ‫الرجل إجراءات شرعية ضدها‪،‬‬
      ‫ومجموعة قيمها الأصيلة‪،‬‬             ‫البيت من الماء‪ ،‬برحلة أو‬          ‫وخاصة إذا لم تمده بالذكر‬
   ‫وهذا بالطبع يتنافى تما ًما مع‬    ‫رحلات لمصدر الماء‪ ،‬وجلبه في‬       ‫المأمول والمنتظر‪ ،‬لتصبح عرضة‬
     ‫الدور التنويري الذي لعبته‬       ‫«بلالي ٍص»‪ ،‬أبعد ما تكون عن‬      ‫للطلاق‪ ،‬أو لاتخاذ الزوج لزوجة‬
      ‫رائدة الحركة النسائية في‬       ‫رقصات الفرق الشعبية‪ ،‬التي‬            ‫أخرى قادرة على إمداد الأب‬
      ‫مصر والعالم العربي‪ ،‬بل‬        ‫تزخر بها الأفلام العربية منذ‬        ‫بمن يحمل اسمه‪ ،‬ويرث ما قد‬
   ‫وساهمت في نشره في العالم‬         ‫بداياتها الأولى‪ ،‬مظهر ًة سعادة‬
   ‫أجمع‪ ،‬امرأة مصرية مسلمة‪،‬‬                                                          ‫يخلفه من ثروة‪.‬‬
 ‫عملت طيلة حياتها على الارتقاء‬        ‫المرأة بالقيام بكل تلك المهام‬          ‫وقبل أن تصل الطفلة إلى‬
   ‫بالمرأة من الظلم والإجحاف‪،‬‬       ‫في بشر وسرور‪ .‬وعلاوة على‬          ‫العاشرة من عمرها‪ ،‬يتم ختانها‬
   ‫ورأت في الدين الحنيف نزعة‬                                             ‫بعملية بربرية‪ ،‬غالبًا ما كانت‬
   ‫تقدمية إنسانية‪ ،‬تتيح للمرأة‬         ‫تزويد الفلاح بوجبة غذائه‬       ‫توكل إلى القابلة‪ ،‬أو حتى حلاق‬
  ‫في المجتمعات العربية الارتقاء‬        ‫الأساسية‪ ،‬فقد يطلب منها‬            ‫الصحة‪ ،‬مما يعرض حياتها‬
   ‫والتطور‪ ،‬والمساهمة في خلق‬          ‫المشاركة في جمع المحصول‬         ‫ذاتها إلى أخطار جسيمة‪ ،‬ناهيك‬
                                      ‫أو مكافحة الآفات الزراعية‪،‬‬      ‫عن العقد النفسية‪ ،‬التي غالبًا لا‬
                    ‫عالم جديد‪.‬‬        ‫والعناية بالدواجن والماشية‪.‬‬       ‫تبرأ منها طوال العمر‪ .‬وتحرم‬
   ‫وللأسف‪ ،‬فالهجوم على هدى‬        ‫هذا وسلوك المرأة ‪-‬دائ ًما وأب ًدا‪-‬‬      ‫الفتاة بالطبع من التعليم‪ ،‬أو‬
                                     ‫قيد الرقابة‪ ،‬حيث إنها مهددة‬         ‫مجرد الاحتجاج على مثل هذا‬
    ‫شعراوي (‪،)1947 -1878‬‬            ‫بالعيب من ناحية والحرام من‬           ‫الواقع‪ ،‬بل يكون من الواجب‬
‫ومحاولة التقليل من الدور الذي‬       ‫ناحية أخرى‪ ،‬فجسدها عورة‪،‬‬               ‫عليها الامتثال للدور المنوط‬
                                                                        ‫بها كخادمة‪ ،‬لا تتقن إلا العمل‬
  ‫لعبته في التاريخ الفكري لهذه‬                                         ‫المنزلي‪ ،‬وكعروس رجل يرضى‬
    ‫الأمة‪ ،‬لم يقتصر على اليمين‬                                         ‫عنه الأب‪ ،‬يفرض عليها فر ًضا‪.‬‬
    ‫الرجعي المتحجر‪ ،‬بل وشمل‬                                              ‫وتمضي المرأة حياتها ما بين‬
                                                                          ‫المخدع والمطبخ‪ ،‬لا يتاح لها‬
  ‫الفكر التقدمي اليساري‪ ،‬الذي‬                                         ‫الخروج من منزل والدها إلا إلى‬
   ‫رأى فيها الإقطاعية الرجعية‪،‬‬                                           ‫منزل زوجها‪ ،‬الذي لا تفارقه‬
‫متناسيًا كيف استثمرت ثروتها‬                                              ‫إلا إلى القبر‪ ،‬بل ولا مكان لها‬
    ‫في تمويل المشاريع الخيرية‪،‬‬                                         ‫في جنة الله الموعودة إلا برضاء‬
   ‫من مدارس للفتيات‪ ،‬ومراكز‬
 ‫تدريب‪ ،‬ومبرات ومستشفيات‪،‬‬                                                           ‫الرجل ومباركته‪.‬‬
   ‫كان لها أكبر الأثر في إحداث‬
   ‫تغيرات اجتماعية واقتصادية‬

                   ‫بعيدة الأمد‪.‬‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264