Page 257 - merit 36- dec 2021
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تراث الثقافة‬

 ‫وستعتني هذه المجلة بأن تعرض‬         ‫فلن يع ِّرض الأدب العربي لخطر‬        ‫الشعوب العربية أو ًل وبين هذه‬
     ‫على الشرقيين آثارهم عر ًضا‬          ‫التفاهة والابتذال شيء كهذا‬           ‫الشعوب وأمم الغرب ثانيًا‪.‬‬
                                                                                  ‫ولكل أدب حي مقومان‬
‫قوامه النقد الخالص للفن والحق‪.‬‬       ‫الإنتاج السريع‪ ،‬وهذا الاستهلاك‬
   ‫وبأن تعرض عليهم خلاصات‬                 ‫السريع‪ .‬فالأدب فن يحتاج‬       ‫أساسيان‪ ،‬يكفل أحدهما له الثبات‬
                                                                           ‫والاستقرار‪ ،‬ويكفل ثانيهما له‬
 ‫حسنة للحركات الأدبية في أوربا‬      ‫كغيره من الفنون الرفيعة إلى أناة‬            ‫النمو والتطور والارتقاء‪.‬‬
      ‫وأمريكا‪ .‬لن تقصر عنايتها‬          ‫الكاتب وتأنقه واحتفاله‪ ،‬وإلى‬          ‫فهذه المجلة ستحرص أشد‬
                                                                              ‫الحرص على العناية بهذين‬
    ‫على أدب دون أدب‪ ،‬ولن تؤثر‬        ‫تمهل القارئ وتأمله وتدبره‪ .‬ولا‬        ‫المقومين للأدب العربي‪ ،‬فتعني‬
      ‫باهتمامها ثقافة دون ثقافة‪،‬‬      ‫بد من أن تأخذ الأجيال العربية‬       ‫بقديم هذا الأدب تدرس تاريخه‬
      ‫ولكنها ستفتح الأبواب على‬       ‫المعاصرة بالأناة في الإنتاج الفني‬    ‫وتكشف أسراره وتحيي آثاره‪.‬‬
      ‫مصاريعها للتيارات الأدبية‬                                              ‫وتعني بالأدب الحديث الذي‬
      ‫والثقافية من أي وجه تأتي‬           ‫وفي الاستهلاك الفني أي ًضا‪.‬‬
                                    ‫القانون الثاني هو الحرية الواسعة‬    ‫ينتجه الممتازون من كتاب الشرق‬
    ‫وعن أي شعب تصدر وفي أي‬           ‫الكاملة السمحة فيما تنشر وفيما‬        ‫العربي تذيعه وتدرسه وتنقده‬
  ‫لغة تكون‪ .‬ذلك لأن العلم والفن‬     ‫تختار من آثار القدماء والمحدثين‪،‬‬        ‫وتشجعه وتجعله غذاء لعقول‬

      ‫والأدب أمور تحب لنفسها‪،‬‬         ‫ومن آثار الشرقيين والغربيين‪،‬‬      ‫العرب وقلوبهم وأذواقهم‪ ،‬وتهيئه‬
‫وتتلقاها العقول والقلوب كما هي‪،‬‬          ‫ولا تنظر في ذلك إلا إلى الفن‬         ‫لعقول غير العرب من الأمم‬
‫فتسيغ منها ما تسيغ‪ ،‬وتنبذ منها‬
                                       ‫الخالص وإلى قيم الثقافة العليا‬     ‫الأخرى المتحضرة بحيث يمكن‬
 ‫ما تنبذ وتنتفع بها على كل حال‪.‬‬        ‫وما يحقق التعارف والتواصل‬            ‫أن ينتقل إلى اللغات الأوروبية‬
     ‫وكما أن هذه المجلة لن تؤثر‬     ‫بين الذين يمثلون هذه الثقافة من‬
                                                                                               ‫المختلفة‪.‬‬
  ‫بعنايتها شعبًا دون شعب فهي‪،‬‬              ‫رجال الأدب والعلم والفن‪.‬‬       ‫ولعل هذه المجلة نفسها أن تنقل‬
    ‫كذلك‪ ،‬لن تؤثر بعنايتها فري ًقا‬        ‫وهي تنظر إلى أمس‪ ،‬وتنظر‬
                                       ‫إلى اليوم‪ ،‬وتنظر كذلك إلى غد‪.‬‬         ‫مختارات منه إلى هذه اللغات‬
‫من أدباء العرب دون فريق‪ .‬وهي‬         ‫فستنشر ما يحيي الأدب القديم‪،‬‬         ‫وتذيعها في الشرق والغرب بين‬
  ‫على هذه السماحة حريصة أشد‬         ‫وستنشر ما يقوي الأدب الحديث‪،‬‬          ‫حين وحين‪ .‬وتعني مع هذا كله‬
    ‫الحرص‪ ،‬تريد أن ترفع الأدب‬         ‫ولكنها في الوقت نفسه ستعتني‬
 ‫عن هذه الخصومات التي تثيرها‬            ‫بهؤلاء الشباب الذين يجربون‬           ‫بالآداب الأجنبية‪ ،‬تعرفها إلى‬
 ‫منافع الحياة العاملة العاجلة بين‬     ‫أنفسهم ويحاولون أن يشاركوا‬          ‫القراء العرب بالدرس والنقد أو‬
    ‫الناس‪ .‬فهي إذن لا تنحاز إلى‬          ‫في الإنتاج الأدبي‪ ،‬فستفسح‬       ‫التحليل‪ ،‬وتنقل إليهم منها أطرا ًفا‬
   ‫طائفة‪ ،‬ولا تتعصب لمذهب‪ ،‬ولا‬         ‫لهم مكا ًنا رحبًا بين صفحاتها‪،‬‬
    ‫تقيد نفسها إلا بحقوق مصر‬           ‫وستتلقاهم رفيقة بهم مشجعة‬            ‫صالحة ترجو أن يجدوا فيها‬
 ‫والأمم العربية في الكرامة والعزة‬    ‫لهم‪ ،‬ولكن قاسية عليهم في النقد‬                        ‫النفع والمتاع‪.‬‬
‫والحياة الصالحة التي لا يشوبها‬
                ‫نقص ولا هوان‪.‬‬                            ‫والاختيار‪.‬‬           ‫وستأخذ هذه المجلة نفسها‬
 ‫هذه هي الغاية التي نسعى إليها‪،‬‬       ‫فالشباب في حاجة إلى التشجيع‬        ‫بقوانين لن تحيد عنها مهما تكن‬

‫والوسائل التي نسعى بها‪ ،‬والعهد‬           ‫الخالص والرفق‪ ،‬ولكنهم في‬            ‫الظروف‪ .‬أحدهما الشدة على‬
   ‫الذي نعطيه على أنفسنا‪ .‬ونحن‬        ‫حاجه كذلك إلى التمرين والنقد‪.‬‬      ‫نفسها وعلى كتابها وقرائها فيما‬
  ‫واثقون بأننا سنجد من المثقفين‬         ‫ويوشك التشجيع الخالص أن‬         ‫تنشر وما تنقل من الفصول‪ ،‬فلن‬
   ‫كلهم في الشرق العربي كله ما‬         ‫يكون تغري ًرا‪ ،‬كما يوشك النقد‬
  ‫يلائم هذه الغاية وهذه الوسائل‬      ‫الملح المسرف في العنف أن يكون‬          ‫تقدم إلى قرائها إلا هذا الأدب‬
     ‫وهذه النية الخالصة من ثقة‬                                              ‫الذي ينفق صاحبه في إنتاجه‬
                   ‫وعون وتأييد‬            ‫تثبي ًطا للهمم‪ .‬وخير الأمور‬      ‫الجهد العنيف والوقت الطويل‪،‬‬
                                                           ‫أوسطها‪.‬‬      ‫وينفق قارئه في إساغته من الوقت‬
                                                                             ‫والجهد مثل ما ينفق منتجه‪.‬‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262