Page 260 - merit 36- dec 2021
P. 260

‫محاولة التوفيق بين الخديو من‬       ‫الهجوم على هدى شعراوي ومحاولة‬
 ‫ناحية‪ ،‬وممثلي الحركة العرابية‬    ‫التقليل من الدور الذي لعبته في التاريخ‬
‫بالجيش من ناحية أخرى‪ .‬إلا أن‬
  ‫سلطان باشا قد ُخ ِد َع ‪-‬بإيعاز‬     ‫الفكري لهذه الأمة‪ ،‬لم يقتصر على‬
‫من الخديو الخائن‪ -‬بأن التدخل‬        ‫اليمين الرجعي المتحجر‪ ،‬بل وشمل‬
 ‫الإنجليزي العسكري في مصر‪،‬‬        ‫الفكر التقدمي اليساري‪ ،‬الذي رأى فيها‬
‫ما كان إلا لضرب ثورة عرابي‪،‬‬          ‫الإقطاعية الرجعية‪ ،‬متناس ًيا كيف‬
                                   ‫استثمرت ثروتها في تمويل المشاريع‬
    ‫وتأمين العرش لتوفيق‪ .‬وقد‬       ‫الخيرية‪ ،‬من مدارس للفتيات‪ ،‬ومراكز‬
 ‫صدم الباشا بعد أن تأكد أن ما‬
 ‫وراء ما حدث‪ ،‬كان نية القوات‬            ‫تدريب‪ ،‬ومبرات ومستشفيات‬

      ‫الإنجليزية لاحتلال البلاد‬      ‫وسيزا نبراوي‪ ،‬إلا أن صفية‬            ‫ولعل شعراوي كانت من‬
 ‫والتحكم في مقدراتها السياسية‬         ‫زغلول جبنت وتقاعست في‬          ‫أوائل الداعين لمكافحة الهيمنة‬

                  ‫والاقتصادية‪.‬‬    ‫آخر لحظة عن الانضمام إليهن‪.‬‬           ‫الاقتصادية الإنجليزية على‬
  ‫أدى الإحباط بذلك الوطني إلى‬           ‫كما نظمت هدى شعراوي‬        ‫مقدرات البلاد‪ ،‬بالدعوة الناجحة‬

     ‫الهجرة إلى أوروبا وتدهور‬       ‫أكبر مظاهرة نسائية في العالم‬        ‫لقيام بن ٍك مصر ٍّي برئاسة‬
    ‫حالته الصحية إلى أن وافته‬      ‫العربي والإسلامي في التاريخ‪،‬‬         ‫طلعت حرب‪ ،‬بالمشاركة مع‬
 ‫المنية‪ ،‬وورثت هدى تلك الروح‬       ‫وواجهت بصدر مفتوح‪ ،‬وتح ٍّد‬      ‫أخيها‪ ،‬فتبوأت مرك ًزا مرمو ًقا في‬
  ‫الوطنية عن أبيها‪ ،‬فكان عنوان‬     ‫واضح بنادق الجنود الإنجليز‪.‬‬
 ‫كفاحها السياسي طوال عمرها‬                                                    ‫أول مجلس إدارة له‪.‬‬
   ‫تحقيق الاستقلال‪ ،‬بل ولامت‬                 ‫‪II‬‬                           ‫كان خلع هدى شعراوي‬
‫الزعيم الوطني أحمد عرابي ذاته‬                                         ‫للحجاب علانية وأمام المئات‬
                                  ‫ولدت نور الهدى محمد سلطان‬        ‫من سيدات مصر عند استقبالها‬
             ‫على نكبة الاحتلال‪.‬‬    ‫الشعراوي عام ‪ 1879‬في مدينة‬        ‫لدى عودتها من الخارج‪ ،‬رم ًزا‬
   ‫أما والدة هدى ‪-‬إقبال هانم‪-‬‬      ‫المنيا بصعيد مصر‪ ،‬وانتمت إلى‬     ‫ف َّعا ًل لانتهاء عهد وبداية واعدة‬
                                  ‫أسرة أرستقراطية واسعة الثراء‬     ‫لحركة نهوض لم تستكمل حتى‬
        ‫ذات الأصول القوقازية‪،‬‬                                           ‫اليوم‪ .‬ومن المهم أن نلاحظ‬
     ‫سيدة المنزل الذي شاركتها‬         ‫والنفوذ‪ .‬كان والدها‪ ،‬محمد‬        ‫هنا أن الزعيم الوطني سعد‬
     ‫فيه حسيبة‪ ،‬الزوجة الأولى‬         ‫سلطان باشا‪ ،‬رئيس مجلس‬           ‫زغلول قد أبدى تأييده لقرار‬
  ‫لسلطان باشا‪ ،‬فقد تولت زمام‬        ‫النواب المصري‪ ،‬وكان الباشا‬        ‫هدى شعراوي‪ ،‬بل وقد حث‬
 ‫الأسرة الصغيرة‪ ،‬رافضة فكرة‬         ‫مقر ًبا للخديو توفيق وناص ًحا‬   ‫زوجته الفاضلة السيدة صفية‬
  ‫الزواج ثانية بعد وفاة زوجها‪،‬‬                                          ‫للانضمام لهدى شعراوي‬
  ‫على الرغم من جمالها وثرائها‬          ‫له‪ ،‬وأخذ الباشا على عاتقه‬
  ‫وصغر سنها‪ .‬وامتازت الطفلة‬
 ‫هدى بذكاء حاد وتعطش للعلم‬

       ‫والمعرفة‪ ،‬وكراهية الظلم‪،‬‬
 ‫وعطف على المحتاجين والفقراء‬

   ‫منذ نعومة أظافرها‪ .‬وحفظت‬
  ‫هدى القرآن الكريم وهي دون‬
   ‫العاشرة‪ ،‬كما تعلمت التركية‪،‬‬

   ‫وكان لديها ميل شديد لتعلم‬
‫النحو والصرف‪ ،‬والنهل بكل ما‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265