Page 102 - Pp
P. 102

‫عمر حلي‬  ‫نجيب محفوظ‬                                   ‫تصبح كتابة مرسال رحلة روحية‬

     ‫خاصة‪ :‬الحياة تتغير‪ ،‬وهي ثابتة على طهرها‪،‬‬          ‫خالصة تجاه شخص لا يستطيع‬
 ‫وقوتها‪ ،‬الأشخاص متقلبون‪ ،‬وهي ترفض نفاقهم‬
‫وانتهازيتهم‪ ،‬لا شيء يبقى‪ .‬تصل عنايات إلى نهاية‬         ‫أن يدافع عن نفسه‪ ،‬لن يتكلم‪،‬‬
 ‫العالم الخاص بها‪ /‬بل نهاية الحياة‪ ،‬حتى الأبناء!!‬
‫الأبناء قطعة لحم ضعيفة تتغير إلى جمود المشاعر‪،‬‬               ‫لقد رحل في ذواتنا وتركنا‬
  ‫حيث تتحجر قلوبهم تجاه أمهاتهم عند يكبرون‪.‬‬
  ‫في ظني أن النص الفائت يحمل صورة مأساوية‬              ‫نفكر في أثره الحي في الأجيال‬
 ‫لنهاية عنايات الزيات‪ ،‬فهي تلفظ المجتمع القاسي‪،‬‬
                                                       ‫التي تعيش الآن‪ ،‬وفي ظني أن‬
      ‫وتبحث عن مجتمع يمنحها الحب‪ /‬الرحمة‪/‬‬
 ‫اللمسة الخفيفة‪ ،‬فأقامت جدرا ًنا عالية بينها وبين‬       ‫إيمان تطرح محنة أبناء جيلها‬
‫مجتمعها‪ ،‬في الحقيقة عنايات امرأة رومانسية حالمة‬
                                                          ‫في مواجهة جبروت العادات‬
    ‫لم تجد من ينتشلها من الواقع المأساوي‪ ،‬حتى‬
  ‫الأستاذ عباس الزيات كان مشغو ًل عنها وتركها‬                  ‫والتقاليد البالية والصمت‬
 ‫على راحتها‪ ،‬لم يفرض عليها سوى تقاليد المجتمع‬
 ‫ذلك الوقت‪ .‬وهذا كاف ج ًّدا لتنتحر عنايات مخلفة‬           ‫الضعيف الذي لا يكترث بآلام‬

      ‫وراءها رواية الحب والصمت‪ ،‬تحمل براءتها‬                               ‫الذات نفسها‪.‬‬
      ‫ونظرتها الرومانسية للحياة‪ .‬ثم جاءت إيمان‬
 ‫مرسال بصمودها تدخل إلى نداهة عنايات‪ ،‬فتحفر‬                                         ‫حتى هذا يتغير‬
 ‫في رحم الثقافة والتاريخ المصري‪ ،‬كي تقول كلمة‬                                   ‫حتى هذا ينساني‪..‬‬
‫على لسان عنايات‪ :‬أن التهميش يودي إلى الانتحار‪.‬‬                              ‫إنه لم ير الحياة بعد»(‪.)9‬‬
‫بل طوفت مرسال كثي ًرا عبر سرديات مختلفة ولغة‬       ‫يحمل النص الفائت صوت عنايات الزيات الحزين‪،‬‬
‫طازجة في جوانيات الأنثى إيمان وعنايات‪ .‬فلبستها‬     ‫حيث تصبح رغبتها في الحب والحنان مسيطرة على‬
  ‫روح عنايات كثي ًرا مقاومة سلطة المجتمع وزيف‬      ‫جوانحها‪ ،‬فهي تنظر إلى طفلها الصغير عباس‪ ،‬بعد‬
   ‫المثقف‪ ،‬بل كشفت عن أسئلة كثيرة‪ ،‬عن التاريخ‬      ‫انفصالها عن والده الطيار كمال شاهين الصابوني‪،‬‬
‫السري للقاهرة القديمة ومقابرها وجبروت السلطة‬          ‫أن يتغير في كل مرة يأتي إليها‪ ،‬حيث يلقنه أبوه‬
                                                   ‫الكراهية تجاه أمه‪ ،‬بل تحزن كثي ًرا عندما لا يناديها‬
              ‫في القرنين التاسع عشر والعشرين‬           ‫«ماما»‪ ،‬بل كان يقول لها طنط‪ ،‬حيث كسر هذا‬
                                                        ‫النداء قلبها‪ ،‬كانت شفافية عنايات الزيات هي‬
                                                   ‫السبب القوي في رغبتها في الانتحار‪ ،‬لم تعد تحتمل‬
                                                    ‫قسوة البشر الذي لا يشعرون بغيرهم‪ ،‬ويحملون‬
                                                       ‫نفس صفاتهم وجيناتهم الوراثية‪ .‬وفي ظني أن‬
                                                    ‫عنايات كانت مشغولة بحركة التغير النفسي لدى‬
                                                        ‫البشر‪ ،‬فتبدأ كلامها برفض الملكية‪ /‬العبودية‪:‬‬
                                                    ‫«نحن لا نملك أح ًدا‪ ،‬ولا يملكنا أحد‪ ،‬الحياة تتغير‪،‬‬
                                                     ‫والأشخاص‪ ،‬ولا شيء يبقى‪ ،‬حتى الأبناء»‪ ،‬هذه‬
                                                        ‫الجملة تحمل رؤية عنايات تجاه الحياة»‪ ،‬هي‬
                                                      ‫إنسانة متسامحة مع الآخرين‪ ،‬لكنها لا تتسامح‬
                                                   ‫مع نفسها‪ ،‬دائ ًما ما تصب جام غضبها على الداخل‬
                                                     ‫الجواني‪ ،‬فتشتعل الروح وتبكي العيون‪ .‬ونلاحظ‬
                                                         ‫استخدام عنايات لمفردات ذات دلالات نفسية‬
   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107