Page 8 - Pp
P. 8

‫العـدد ‪35‬‬                                         ‫‪6‬‬

                                                 ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

  ‫بمصاحبة (تخت) بسيط قريب من تخت رواة‬            ‫الصييت في جذب مستمعيه تتمثل في قدرته على‬
 ‫السيرة‪ ،‬ويرتدون الكاكولا والعمامة الأزهرية‪،‬‬        ‫الإضافة‪ ،‬حتى لا يكون النص ثابتًا محفو ًظا‪،‬‬

     ‫عكس المنشدين الشعبيين والمداحين الذين‬        ‫فهؤلاء المستمعون يدورون وراء (الصييت) في‬
 ‫يرتدون الجلباب البلدي العادي‪ ،‬كما يشتركون‬          ‫كل مكان يرتاده مسلَّحين بأجهزة التسجيل‪،‬‬
  ‫مع رواة السيرة في الوقوف على منصة بدائية‬            ‫ويباهون بعضهم بع ًضا بالنسخة الحديثة‬
 ‫ُن َصبت لهذا الغرض‪ ،‬ربما مقطورة سيارة نقل‬
 ‫يتم فتح جوانبها من ثلاث جهات‪ ،‬بينما يجلس‬         ‫التي أبدع فيها الصييت أكثر وأضاف إضافات‬
                                                      ‫مؤثرة‪ ..‬كما تتج َّل قدرته في ابتكار أغنيات‬
     ‫المداحون على حصير مفروش على الأرض!‬
    ‫هذه الخامات هي أصل الغناء الشعبي الذي‬         ‫تناسب المقام‪ .‬من أشهر من استمعت إليهم من‬
  ‫حاول المتق ِّدمون النسج على منواله‪ ،‬في أغنيات‬      ‫رواة السيرة في قرى الدلتا ‪-‬حيث نشأت‪-‬‬
     ‫كتبها عبد الرحمن الأبنودي بما يمتلك من‬         ‫السيد حواس وفتحي سليمان (لقبه الشاعر‬
   ‫موهبة شعرية جارفة وأصول صعيدية‪ ،‬مثل‬
  ‫تجاربه مع محمد رشدي وفايزة أحمد (تحت‬           ‫فتحي)‪ ،‬وكنت أميل إلى السيد حواس أكثر‪ ،‬ربما‬
  ‫السجر يا وهيبة لرشدي‪ ،‬وآخد حبيبي يانا يا‬        ‫لأن غناءه كان أكثر انتظا ًما وقر ًبا من الأغنيات‬
  ‫امه لفايزة نموذ ًجا)‪ ،‬ثم محاولات عبد الحليم‬     ‫التي أسمعها في الراديو‪ ،‬فقد كانت له محاولات‬
  ‫حافظ لأداء الأغنيات الشعبية استغلا ًل لنجاح‬      ‫في التلحين لمؤلفين مشهورين مثل عبد الفتاح‬
‫رشدي‪ ،‬والتي لا أراها ناجحة بالقدر الكافي‪ ،‬هذا‬
   ‫اللون (المصنوع) يترك مساحة للمطرب لكي‬            ‫مصطفى‪ ،‬وربما لأنه كان يتلبس الحالة أكثر‬
‫ُيدخل الموال المرتجل على صلب الأغنية المكتوبة‪،‬‬     ‫ويبرع في (التمثيل) أثناء الأداء‪ ،‬لكأنه أبو زيد‬
                                                    ‫الهلالي نفسه‪ ،‬يدق برجله على الأرض ويقفز‬
      ‫نرى ذلك واض ًحا أي ًضا عند شفيق جلال‬       ‫قفزات محسوبة ويشوح بذراعيه ‪-‬مل ِّو ًحا بعصا‬
   ‫ومحمد العزبي‪ ،‬لكن (هذه الصنعة) انحدرت‬          ‫الكمان‪ -‬كأنه فارس في معركة يحصد الرءوس‬
    ‫شيئًا فشيئًا بداية من أحمد عدوية وكتكوت‬         ‫بالسيف‪ ..‬بينما كان فتحي سليمان أقرب إلى‬
‫الأمير وأصحابهما‪ ،‬الذين اعتمدوا على (مؤلفين)‬        ‫الارتجال‪ ،‬لهذا كان محبو ًبا على نطاق واسع‬
                                                    ‫أي ًضا‪ .‬والذي لا يفوتني ذكره هنا أم (أحمد)‬
     ‫بدائيين ُينظمون كلمات بعيدة عن الشعر‪،‬‬         ‫ابن السيد حواس ورث عن أبيه رواية السيرة‬
 ‫و ُيدخلون ألفا ًظا جارحة للذوق العام لمجرد أن‬    ‫بعد أن توفي‪ ،‬أحمد شاب متعلم‪ ،‬يقال إنه طبيب‬
 ‫جماعات محدودة تستخدمها على نطاق ضيق‪،‬‬            ‫بيطري أو صيدلي‪ ،‬لا أذكر‪ ،‬وتكوينه الجسماني‬
                                                   ‫مختلف عن تكوين أبيه حيث تربى في ظروف‬
   ‫مثل الحشاشين المسطولين في (الغرز)‪ ،‬لكنه‬
   ‫انتشر على نطاق واسع مع انتشار الكاسيت‪،‬‬                ‫أفضل‪ ،‬وكان يحفظ السيرة بإضافاتها‬
   ‫وأصبحنا أمام طرق جديدة غريبة في الغناء‪،‬‬         ‫وحركاتها التي كان يأتيها الأب‪ ،‬لكنه لم يح َظ‬

               ‫ومغنين مختلفين شك ًل وأداء‪.‬‬            ‫بنفس شهرته‪ ،‬وهنا الفرق بين القدرة على‬
 ‫مؤخ ًرا اختلط هذا الغناء (البيئي) بأنماط غربية‬     ‫الارتجال حسب الظروف ونوعية المستمعين‪،‬‬
  ‫مثل الراب‪ ،‬فدخل محمد رمضان سوق الغناء‬             ‫وبين الحفظ والترديد‪ ،‬وهو ما يو ِّضح بجلاء‬
                                                   ‫أن إنشاد السيرة الشعبية يقوم بالأساس على‬
   ‫مؤد ًيا‪ ،‬مستغ ًل أن أحمد زكي أدى هذا اللون‬
    ‫في فيلمين أو ثلاثة حسب السياق الدرامي‪،‬‬                                ‫الارتجال اللحظي‪.‬‬
    ‫كما رأينا وجو ًها أخرى مثل أوكا وأورتيجا‬       ‫في فترات متقدمة كان هناك منشدون دينيون‬
‫وحسن شاكوش ورفاقه‪ ،‬ي َّدعون أنهم مطربون‬            ‫تخ َّصصوا في إحياء الموالد والمناسبات الدينية‪،‬‬
    ‫شعبيون‪ ،‬وهم بعيدون تما ًما عن هذا اللون‬
 ‫الراقي الذي ابتكرته الجماعة الشعبية وط َّورته‬         ‫مثل الشيخ شرف‪ ،‬وهم يحكون حكايات‬
                                                    ‫شعبية أي ًضا وإن كانت تنحو ناحية الموعظة‪،‬‬
                 ‫لكي يعبر عنها أفضل تعبير‬        ‫ويضفرونها بالأغاني والأناشيد الدينية المعروفة‬
                                                  ‫لكبار الملحنين والمطربين مثل محمد الكحلاوي‪،‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13