Page 13 - Pp
P. 13

‫‪11‬‬            ‫إبداع ومبدعون‬

              ‫رؤى نقدية‬

                                                                            ‫تؤسس لنظرية‪ ،‬ولكنها لم تصل‬

                                                                            ‫إلى تصور عام يتصل بفلسفة‬

                                                                            ‫اللغة العربية‪ ،‬وطرق التفكير‬

                                                                            ‫فيها‪ ،‬وإنما اجتمع النقاد على‬

                                                                            ‫اكتشاف العلاقات الجزئية في‬

                                                                            ‫الخطاب العربي‪ ،‬وبالأخص‬

                                                                            ‫الخطاب القرآني‪ ،‬ولم تتع َّد طرق‬
                                                                            ‫التفكير البحث عن أدوات تتصل‬

                                                                            ‫باللغة من داخلها‪ ،‬أو بأدوات‬

                                                                            ‫بلاغية للنص‪.‬‬

                                                                            ‫إن البحث عن أدوات تتصل‬

                                                                            ‫بالعلاقات الشكلية والدلالية‬

                                                                            ‫لم يكن مستبع ًدا على الإطلاق؛‬
                                                                            ‫فالسياق القرآني باعتباره‬

‫إبراهيم ناجي‬  ‫عبد القاهر الجرجاني‬                                ‫احمد شوقي‬   ‫مفهو ًما مؤس ًسا للعلاقات‬
                                                                               ‫اللغوية يمكن أن يتحول‬

                                                                            ‫إلى أداة‪ ،‬وبخاصة إذا كانت‬

‫التصورات القديمة للنص كانت تقوم على مجموعة‬                       ‫النصوص جز ًءا من التفكير السياقي؛ ربما يعذر‬
‫من الرؤى الواقعية المختلفة والتي قد تأتي متنافرة‬                   ‫القدماء في بعدهم عما أسميه بالتفكير البلاغي‬

 ‫في بعض الأحيان‪ ،‬فالجديد في طرق التفكير يقوم‬                     ‫في اللغة العربية‪ ،‬لأن النصوص التي كانت تحكم‬
                                                                   ‫تصوراتهم؛ كانت إما مقدسة كالقرآن الكريم‪،‬‬
‫على الرؤية الكلية التي تنبع من خلال مجموعة من‬
                                                                 ‫ولذلك ابتعدوا كليا عن النظر فيما يمكن أن يقدمه‬
              ‫الأبعاد التي تنتمي إلى تأسيس الدلالة أو تكوينها‬
                                                                            ‫النص القرآني لتصورات بلاغية أخرى‪ ،‬وإما‬
              ‫أو تأويلها‪ ،‬هذه الأبعاد يمكن أن ُتدرك مجتمعة‬
              ‫في النص‪ ،‬ويمكن أن ُتدرك منفردة‪ ،‬وهي جزء‬            ‫الشعر وبعض الخطابات النثرية القليلة التي لم‬
                                                                 ‫تكن تحفل أص ًل بتصور كلي للأشياء‪ ،‬إنما كانت‬
              ‫من واقع الإنسان‪ ،‬بل هي التي تسيطر على حياته‬
                ‫وتجعل منه كيا ًنا واح ًدا متح ًدا لا مجموعة من‬    ‫النظرة الجزئية أسا ًسا فكر ًّيا لفهم النص؛ وعلى‬
              ‫الكيانات المتفرقة‪ ،‬وكذلك هي التي أعتم ُد عليها في‬  ‫سبيل التمثيل جاءت قصائد الشعر العربي قديما‬

              ‫تقديم نوع من التفكير البلاغي الجديد‪:‬‬               ‫‪-‬فيما عدا بعض الطفرات التي حدثت في عصور‬

              ‫‪ -‬أو ًل‪ :‬بلاغة السياق‪.‬‬                                        ‫متباينة‪ -‬تعتمد على النظرة الجزئية للأشياء‪،‬‬

                     ‫‪ -‬ثانيًا‪ :‬بلاغة المنظور‪.‬‬                    ‫وأقصد هنا الطفرات التجديدية على أيدي قلة من‬
              ‫‪ -‬ثالثًا‪ :‬بلاغة الموقف الحكائي‪.‬‬
                                                                 ‫الشعراء العرب كالمتنبي وبشار بن برد وأبي نواس‬
                                                                 ‫جعلت من النص الشعري صورة واحدة لها أبعادها‬
              ‫الفكرية والنفسية والإنسانية‪ ،‬حتى أعمال هؤلاء لم ‪ -‬رابعا‪ :‬بلاغة الصورة‪.‬‬
              ‫هذا التصور موجود بفعل الضرورة اللغوية في‬
                                                                 ‫تكن تمثل هذا الطرح‪ ،‬وكان النقاد وقتها يمكن أن‬
              ‫يقدموا التصورات البلاغية التي تتساوى مع الفكر الواقع اللغوي القديم بصورة لا تمثل ظاهرة‬
‫بلاغية‪ ،‬وموجود بالضرورة اللغوية الحديثة؛ حيث‬
                                                                 ‫البلاغي الجديد في الشعر العربي‪ .‬ومن هنا يمكن‬
              ‫أصبحت النصوص الأدبية جز ًءا من عملية كبيرة‬
                                                                 ‫القول إن التفكير البلاغي ضرورة فكرية للنص‬

              ‫تشمل التفكير البلاغي الذي يمكن أن نأخذ منه‬         ‫الأدبي بشكل عام والنص الشعري بشكل خاص‪،‬‬

              ‫مجموعة من المستويات داخل النص‪:‬‬                     ‫فالضرورة الفكرية هي جوهر النص الحديث‪ ،‬لأن‬
   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18