Page 12 - Pp
P. 12
العـدد 35 10
نوفمبر ٢٠٢1
كان ذلك يعد جز ًءا من وظيفة اللغة -وإنما يتعدى خلال العقل على أساس تكوين مدرك جزئي ،أو
ذلك إلى خلق أطر وطرائق للتفكير الإنساني، صورة جزئية يمكن من خلالها النفاذ إلى الصور
بالإضافة إلى إحداث نوع من التشكيلات اللغوية الأخرى المكونة لها ،وهذا المدرك سياق فكري
والدلالية التي تحول الموقف اللغوي النفعي إلى ينتج عد ًدا من الصور والسياقات الجزئية داخل
موقف جمالي تقوم البلاغة فيه بدور الزيت في الموقف اللغوي ،ومن هنا يمكن قياس بقية المواقف
المصباح أو الروح في الجسد ،وحتى لا يتحول المؤسسة للصورة باعتبارها إطا ًرا مك ِّو ًنا للتفكير،
التفكير الإنساني إلى نوع من المادية الجامدة التي
تنتج بدورها صو ًرا جارية من المشاعر ،وإنما ولا يمكن أن يتحول التفكير إلى إدراك السياق
توجد مستويات للتفكير الواقعي يؤسس بدوره المؤسس لها إلا إذا تحول الموقف إلى صورة ذهنية،
لمستويات من التفكير البلاغي والجمالي الذي يقوم
على استنطاق اللغة ،وربط علاقات الوجود بعضها هذا الترشيح لاستخدام العقل يصلح مدخ ًل إلى
البعض ،وتأتي أحوال النفس الإنسانية على رأس التفكير البلاغي الجديد الذي يفترضه البحث
الطرق المؤسسة للبلاغة والمنتجة لعملية التفاعل بين
الإنسان وبين ما ينطق ،وحتى لا يتحول الواقع باعتباره سيا ًقا مؤس ًسا لصورة كلية يمكن البحث
إلى صورة شائهة من مواقف نفعية يمكن للتفكير عنها خارج الكلمة أو الجملة الصغيرة .وبالتالي
البلاغي أن يطرح سياقات نفسية وإنسانية تصلح يتحول البحث عن الصورة البلاغية من مجرد
للمنظور البلاغي الجديد الذي يطرحه البحث. إدراك جمالي ذاتي إلى إدراك جمالي كلي يمكن
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الضرورة الفكرية:
التأسيس له بموقف فكري أو عقلي أو نفسي؛ وهنا
هل البلاغة ضرورة واقعية للعربي؟ تصبح الصورة طريقة من طرق التفكير النقدي
التفكير البلاغي بالنسبة للّغوي هو الروح الذي الملائم للواقع؛ هذا التأسيس ظهر جليًّا في القرآن
يتحكم بالكلام ،فهو يطرح رؤاه من خلال تصوراته
الفكرية والإنسانية بشكل عام ،كما أنه جوهر الكريم داعيًا المتلقي لتبني هذه الطريقة في الإدراك،
التفكير الجمالي الذي يحتاج إليه كل من له علاقة فلا يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى في سورة
باللغة ،وفي اعتقادي أن الجمود البلاغي الذي ساد مريم الآية (َ ( :)4وا ْش َت َع َل ال َّرأْ ُس َش ْيبًا) ،إن مجرد
في الأوساط النقدية العربية يرجع في جزء كبير الحديث عن تشبيه استعاري يجعل البياض كأنه
منه إلى الاعتقاد السائد أن اللغة العربية ليست النار التي اشتعلت ،وإن كان هذا الإدراك جز ًءا من
في حاجة إلى فكر بلاغي جديد ويكفينا النظرية بناء الصورة لا يتماشى مع مفهوم الرؤية الكلية
البلاغية العربية ،وظل التفكير اللغوي بعي ًدا كل
البعد عن الفكر البلاغي الجديد ،مستن ًدا إلى الأدوات ويعد انتقا ًصا من حق السياق النفسي المؤسس
الكلاسيكية التي قام عليها المفهوم البلاغي في لهذه الصورة؛ وهذا ما جعلني أحاول إعادة النظر
التراث العربي ،والتي أدت -وما زالت تؤدي- في طرق التفكير البلاغية القديمة التي ربما فاقتها
دورها في اللغة العربية المستعملة ،ولكن التفكير
الحديث قد تجاوزها -من وجهة نظر النقد الأدبي- النصوص الأدبية الحديثة في إدراك العلاقات
حتى بدأت النصوص الأدبية تطرح نفسها خارج الجمالية داخل الموقف اللغوي .ولأن البلاغة
المفاهيم الكلاسيكية للبلاغة العربية ،والحقيقة أنه تأسيس لمواقف واقعية أو نفسية أو رمزية تعتمد
لا نظرية بلاغية في التراث النقدي العربي متماسكة على اللغة وأدواتها ،فهي مواقف جمالية أي ًضا تخدم
البنيان ،وإنما مجموعة من التصورات النظرية التفكير الإنساني بشكل عام ،فطريقة إدراك الجمال
والتطبيقية في علاقة اللفظ بالمعنى ،جاءت في ثنايا يجب أن تتجاوز المجازات الصغيرة ،والموقف
كتب عبد القاهر الجرجاني ومن يليه ،يمكن أن جزء من سياق متولد عن سياق آخر ومرتبط به،
ويولد سياقات أخرى متعددة متصلة وتنتج معان
منسجمة في إطار الموقف اللغوي الجديد ،ومن هذا
المنطلق يمكن الإجابة على من يتساءل :ما فائدة
البلاغة داخل الموقف اللغوي؟
وهو سؤال تعليمي وفكري في آن؛ لأن هدف اللغة
ليس مجرد توصيل المعنى أو فهم الدلالات -وإن