Page 11 - Pp
P. 11
إبداع ومبدعون 9
رؤى نقدية
تتحول الصورة إلى أسلوب بنائي في النص ،تك ّونه مكمل للفكر الاستعاري ،ولكن بشكل مختلف ،لم
أو تؤ ّوله أو تؤ ّسس للفكرة ،سواء كانت ثابتة ،أو يعد الاعتماد فيه على الكلمة -مع أهميتها ،-ولم
يعد الاعتماد على الجملة -مع ضرورتها -وإنما
حية ،تحفر في ذاكرة النص مفردات حياتها. أصبح النص صورة واحدة ،تتجاوز مجرد التفكير
في تصوير قاصر .النص القرآني يمتلئ هو الآخر
البلاغة ضرورة واقعية بالإشارات البلاغية الدالة على إمكانية الخروج من
التصورات الثابتة ،وقد ألمحت إلى عدد من هذه
هل يمكن للتفكير البلاغي أن يتحول عند العربي الإشارات في الحديث عن السياق البلاغي والمنظور
من إدراك خاص برؤية الكلمة والجملة ،وهي تقوم السردي.
البلاغة الجديدة تحرر الفكر العربي من تصور
في الأصل على علاقات جزئية تبحث عن تفاصيل الجزئيات الصغيرة إلى تصور عقلي وفكري يأخذ
بيد اللغة ومستخدميها إلى آفاق أوسع من الآفاق
الموقف اللغوي ،إلى إدراك خاص برؤية النص أو الجامدة التي ظلت حبيس ًة قرابة ألف عام من جمود
البحث البلاغي ،فلا تقتصر ظلالها على اللغة ،بقدر
رؤية سياق مؤسس له من خلال أدوات تحيل إلى ما تتعداه إلى شكل من فلسفة اللغة العربية ،أو
فلسفة التصور اللغوي .وهي أي ًضا جزء من تفكير
رؤية كلية؟ هذا التساؤل يعود بالعقل العربي من جديد يحول التصورات البلاغية إلى تصورات
فلسفية ،وبالتالي تتعدى حدود التفكير اللغوي
رؤية التفاصيل الخاصة بالسياق إلى رؤية السياق القاصر على الاستعمال العادي ،لأن النظرية يجب
أن تستند إلى تصور فلسفي قبل أن تتحول إلى
بشكل مجمل ،وهذا بالضرورة يؤدي إلى نوع من مفاهيم وبعد أن تتحول المفاهيم إلى أدوات نصية.
التفكير اللغوي والبلاغي يتصل اتصا ًل وثي ًقا بتراث النص في البلاغة الجديدة ينشئ السياق ،وبالتالي
التفكير الجديد الذي جاء به الإسلام متمث ًل في يتحول هذا السياق من مفهوم إلى أداة ،ومن مقام
القرآن الكريم. خارجي إلى مقام نصي ،ومن رؤية مصاحبة
للنص ،إلى رؤية بنائية للنص ،فمن سياق مؤسس
إن السياق القرآني يهتم اهتما ًما كبي ًرا بتفاصيل إلى سياق مك ّون ،إلى سياق مؤ ّول .كما أنه ينشئ
الموقف اللغوي حتى يظن لأول وهلة أن السياقات المنظور السردي بكل مفرداته ،ليتحول هو الآخر
من مجرد وجهة نظر ،أو رؤية مادية ،أو فكرية ،إلى
الجزئية الخاصة بالتفكير البلاغي تعتمد على هذه
تصور ذهني وبنائي عام للنص الأدبي.
السياقات؛ لذلك يجب العودة بالموقف المؤسس إن طموح البحث يحاول أن يثبت أن الموقف
السردي ،والموقف الحكائي ،مكونان بلاغيان
للصورة الشعرية إلى ما قبل ظهور الموقف اللغوي مثلهما مثل السياق والمنظور .أما الصورة فليست
هي الصورة البيانية التي يعتمد فيها الشاعر على
كحدث مادي يمكن إدراكه أو ترجمته في مجموعة تبادل الصفات بين فعل حقيقي ،وآخر غير حقيقي،
وبينهما صفة مشتركة لا تحتل سوى رقعة لغوية
من الألفاظ والجمل الدالة ،والبحث في مكونات هذا محدودة ،فلا زمان ولا مكان ولا نسق ،ولا حفر
للفكرة داخل السياق النصي ،وهذا طرح البحث
الموقف يبدأ السياق من أوله ،حتى يمكن القول إن عن الصورة النسق ،والصورة الفكرة ،والصورة
المنظور ،والصورة التي تنشئ السياق .يعني أن
المواقف البلاغية الجزئية في القرآن الكريم يمكن
ردها إلى مواقف فكرية أو عقلية أو نفسية كلية
تسهم في بناء الصورة العامة أو ترشح لها ،فلا
يتوقف العقل العربي عند الكلمة ليبحث في بلاغتها،
أو يتجاوزها إلى الجملة ليستخرج منها سيا ًقا يدل
على موقف صغير ،وإنما يتعدى ذلك إلى الإدراك
الكلي للمواقف المؤسسة للواقع ،والصورة جزء منه؛
وعلى سبيل التمثيل عندما أراد النص القرآني أن
يحدث خلخلة في التفكير المنطقي لدى الإنسان آثر
أن يبدأ بالصورة الكلية ،وهي موقف فكري في قوله
َ ِل َفيا ٍَخت ْل ِق
تعالى في سورة آل عمران الآية (« :)190إِ َّن
اِّلُل َّوس ِ َملا اَوْا َل ْلِتَبا َوِاب ْ»َلْ .ر ِض َوا ْختِ َل ِف ال َلّ ْي ِل َوال َنّ َها ِر
فالخلق قيمة كلية مطلقة لا يمكن التعامل معها من