Page 15 - Pp
P. 15

‫‪13‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

 ‫الحديثة أثبتت تأثر الطفل منذ ولادته بكل المواقف‬       ‫في الدرس النقدي كالأسلوبية والبنيوية وعموم‬
  ‫المادية والفكرية التي يمر بها حتى دون قصد في‬         ‫الدرس اللساني ببعض مباحث الدرس البلاغي‬
                                                       ‫العربي‪ ،‬واستشهدوا بعدد من الآيات والقصائد‬
                      ‫الفهم أو الوعي أو الإدراك‪.‬‬
‫إن البداية الحقيقية للتفكير البلاغي واللغوي تكمن‬          ‫والقواعد البلاغية التي تشير إلى التشابه في‬
                                                      ‫الرؤية أو التفسير أو التأويل‪ ،‬وكأن هذا التشابه‬
     ‫في الفهم الكلي المتبادل للأشياء بين المتعاملين‬  ‫يكفي اللغة العربية ويدفع عنها حالة الجمود التي‬
‫باللغة‪ ،‬والتغيير الكامل للدرس الجمالي في المدارس‬
‫العربية‪ ،‬والتحول من رؤية الجزء إلى الكل وتوزيع‬          ‫سادت الدرس النقدي المعاصر؛ حتى أصبحت‬
‫الفكرة الجمالية على الموقف كله‪ ،‬وليس على كلمة أو‬       ‫الرسائل العملية التي لا يستعين فيها أصحابها‬
 ‫جملة أو مجرد تشبيه يذكر‪ ،‬هذا يعني أننا بحاجة‬         ‫بالدراسات والمراجع الأجنبية لا ينظر إليها بعين‬
‫لوضع مفاهيم جديدة للتصور الجمالي‪ ،‬تبدأ بالنظر‬         ‫الاحترام‪ ،‬وكلما ازدحمت الدراسة بالمراجع كلما‬
‫إلى جوهر الإنسان وليس بالنظر إلى شكله؛ وتهدف‬          ‫كان ذلك أدل على جهد الباحث وتفانيه في رصد‬
                                                        ‫الظاهرة وتحليل الفكرة‪ ،‬حتى أن البعض للآن‬
    ‫إلى إشراك الحواس كلها في فهم الجمال؛ فليس‬         ‫يعتمد على منهج في نقد اللسانيات يسمى تحليل‬
     ‫البصر وحده هو مركز الإحساس بالجمال في‬
 ‫التفكير اللغوي الحديث‪ ،‬وليس العقل كذلك أي ًضا‪،‬‬            ‫المضمون‪ ،‬ويعتبره فت ًحا في عالم الدراسات‬
   ‫وإنما البصر يتضافر مع بقية الحواس الظاهرة‬           ‫الإنسانية سواء الأدبية أم غير الأدبية‪ .‬والأكثر‬
‫وغير الظاهرة؛ كالسمع واللمس والعقل‪ ،‬وما يمكن‬
  ‫أن يصاحب ذلك من مفردات‪ ،‬والدعوة إلى صيغة‬                ‫مأساوية أن أقسام البلاغة في كليات الآداب‬
 ‫فلسفية علمية عامة يشترك في وضعها وأدائها كل‬         ‫واللغة العربية في الوطن العربي تطرح حتى الآن‬
  ‫المشتغلين بالدرس النقدي لتأصيل منهجي‪ ،‬يقوم‬
    ‫على الرؤية الكلية للأشياء‪ ،‬وليس الرؤية الكلية‬        ‫البلاغة الكلاسيكية شر ًحا وتفسي ًرا وتأوي ًل‪،‬‬
                                                     ‫وكأن اللغة العربية عقمت عن أن تقدم الجديد في‬
                         ‫للبلاغة العربية وحدها‪.‬‬        ‫الفكر البلاغي الذي يرقى إلى قيمة اللغة العربية‬

    ‫الفهم‬                                                  ‫وأهميتها وضرورتها للإنسان العربي‪ ،‬من‬
                                                         ‫هنا كان التفكير البلاغي ضرورة واقعية للغة‬
 ‫اللمس‬                      ‫الرؤية‬                   ‫وللعرب بشكل عام‪ ،‬وللنص الأدبي بشكل خاص‪،‬‬
‫السمع‬                       ‫الجمالية‬                 ‫حتى في الاستعمال اللغوي العادي هناك ضرورة‬
‫البصر‬                                                   ‫لحالة التفكير البلاغي القائم على التصور الكلي‬
                                                      ‫للمواقف وتحويلها من مواقف عادية إلى مواقف‬

                                                             ‫جمالية تحكم على الحالة من جوانب عدة‪:‬‬

                                                     ‫ما بعده‬  ‫الموقف‬  ‫ما قبله‬

    ‫البصيرة‬  ‫الإد ارك الوعي‬                                      ‫السياق المصاحب‬

    ‫ويكون الحاكم الفعلي لهذه الرؤية هو التصور‬          ‫فالعربي دائ ًما ما ينتقي من المواقف الواقعية التي‬
‫العقلي أو التصور الفكري الذي يقوم على ربط هذه‬           ‫تواجهه وتربى عليها في فهم الأشياء وطبيعتها؛‬
‫الحواس ببعضها البعض‪ ،‬وتكوين الفكرة الجمالية‬            ‫بل تعدى الأمر إلى انتقاء ما في مصلحته بناء على‬
                                                       ‫التصور اللغوي الذي دأب عليه الاستعمال‪ ،‬ربما‬
  ‫من داخل اللغة أو من داخل الفكرة أو من داخل‬           ‫تكون هذه الفكرة في رأي البعض بعيدة كل البعد‬
            ‫المنطق اللغوي أو من داخل الصورة‪.‬‬
                                                     ‫عن الواقع الجمالي أو اللغوي‪ ،‬ولكن أساليب التربية‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20