Page 20 - Pp
P. 20
العـدد 35 18
نوفمبر ٢٠٢1
محفوظ؛ الكاتب المتنور الحالم بمستقب ٍل أفضل بعي ًدا الفونولوجي (آدم /أدهم) ،نجدها مجسدة في
عن التشرذم والانحطاط ،وقد ابتكر هذه الشخصية جريمة قتل قدري لهمام ،وهي أول جريمة ار ُتكبت
التي تحيل على العلم ،وترمي إلى الانفلات من قبضة في الحارة ،لتكون بذلك تلمي ًحا جليًّا على أول جريمة
اقترفت في الأرض ،وهي التي نعرفها جميعا :قتل
الأسطورة ،التي تمارس أكثر من حقها وتهيمن
على عقل الإنسان في مختلف الحقب الزمنية ،وكل قابيل لأخيه هابيل.
ذلك قصد الارتماء في حضن العلم وضمان العدل ترمز شخصية جبل إلى «جبل الطور الذي كلم فيه
الله موسى» .هذا الحسم بني على ما ورد في الرواية
والمساواة بعي ًدا عن بطش مستب ٍد غاشم يهض ُم
ال ُحقوق .لقد مارس عرفة ،بهمة عالية ،السحر، ونقرأ في هذا المضمار« :منذ عشرين عا ًما رأت
العلم فيما يبدو ،مبذ ًل قصارى جهده لتقديم العلاج الهانم طف ًل عار ًيا يستحم في حفر ٍة مملوءة بمياه
للناس .نقرأ في هذا الصدد« :عنده العلم الساحر الحأرممطها ارل،عفق ُمم مضنت ِنتعتمساللىأمبوُممةشاإلهيدهت.ه،أرفمساللتقلمبنها احلمذل ُهي
الذي يستطيع أن يحقق للحارة ما عجز عنه جبل إليها وهو يبكي خائ ًفا .وتحرت عنه فعلمت أنه طف ٌل
ورفاعة مجتمعين .ولن يترك الحارة حتى يقضي يتيم ترعاه بياعة دجاج .استدعت الهانم وطلبت
السحر على الفتوات ،ويطهر النفوس من عفاريتها
ويجلب من الخير ما يعج ُز الواقف عن جز ٍء منه، إليها أن تنزل لها عن الطفل فرحبت بذلك كل
ويصير هو قهر الغناء المنشود الذي كان يحلم به الترحيب»( .)7ما يمكن استخلاصه من هذا المقطع
أدهم ،صحيح أنه في زم ٍن قصير حقق قاسم العدل الذي ورد في الرواية هو أن الحكاية الدينية للنبي
بغير هذا العلم السحري ولكن سرعان ما انتهت موسى تقول إن زوجة فرعون قد عثرت عليه وهو
التجربة ،في حين أن أثر العلم لا يزول ( )..العدالة
داخل صندوق ملقى في النهر ،وقد نشأ في بيت
لا تبقى إلا توفر العلم الساحر»(.)9 فرعون إلى أن اشتد عوده وكبر .هذه من بين عدة
تعددت شخوص الرواية واختلف وزنها وشكل علامات تشي بأن جبل يرمز لقصة النبي موسى.
حضورها ،وقد «ألغى ملامح الشخصيات الروائية
فمن يجيء لا يختلف عمن جاء»( ،)10في قط ٍع واضح في نهاية هذا الجزء المخصص لإبراز الدلالات
مع البنية الروائية التقليدية ،ومحاولة تدشين عهد الرمزية التي تحملها شخوص الرواية ،ليست
جميعها طب ًعا ،بل اقتصرت على أهم شخوص
جديد في الرواية العربية. الرواية ،رغم أن جميع الشخصيات كلها لعبت
-2جدلية الدين والسلطة في رواية أولاد حارتنا: دو ًرا مه ًّما في تحريك الأحداث وإحداث انعطافاتها.
الشخصية الأخيرة التي سأتحدث عنها بإيجاز هي
لقد حاول نجيب محفوظ رصد جدلية الدين شخصية قاسم التي تدل ،بكل تفاصيلها ،على
حياة النبي محمد .فالقاسم في الرواية كان يتي ًما
وراعيًا للغنم ونشأ في كفالة عم زكرياء حتى
بلغ سن الرشد ،وتزوج من امرأة أربعينية هي
ست قمر .ثم التشابه في الاسم ،فمعلوم أن النبي
محمد كان يلقب بأبي القاسم.
معلو ٌم أي ًضا أن النبي محمد تزوج خديجة ،وهو
في الخامسة والعشرين ،التي تبلغ أربعين سنة،
التي افتتنت به بعدما اهتم بتجارتها واعتنى
بأمورها ،ورأت فيه شا ًّبا بالمواصفات التي
تتمناها( ،)8وقد كان راعيًا للغنم ،وعاش في كنف
عمه بعدما فقد ذويه وهو في مرحلة الصبا.
مثلث شخصية عرفة التطلع الكبير الذي يراود