Page 19 - Pp
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الكتابة عنها بانسيابية ،دون
إغفال الوصف المفرط لأدق
تفاصيلها ،وهذه إحدى أبرز
خصائص الرواية التقليدية.
بينما الرواية الحديثة ،التي
برزت وانتشرت بعد الحرب
العالمية الثانية ،قطعت مع هذا
الاختيار وحاولت التنقيص من
قيمة رسم الشخصية بحيث لم
تعد لها تلك المركزية(.)2
-1شخوص الرواية:
هناك من احتج على أولاد
حارتنا ووصفها بعبارات
قدحية ،تطبعها الشوفينية
حسن حنفي محمد حسنين هيكل الشيخ محمد الغزالي والقراءة البعيدة عن
الموضوعية ،بأنها رواية
الإنجاب ،الأكل والشرب والنوم .)5(»..من هنا يمكننا تمس المقدسات ،وتسخر من رمزية الأنبياء
أ ْن نستشف أن الجبلاوي ليس هو الله بحد ذاته، والشخصيات الدينية المقدسة .وقد بنى حجته على
وإنما هو شخصية أسطورية متخيلة ومبتكرة ،ما
دام أن الله لا يتقاسم مع الإنسان نفس الصفات «التقارب الصوتي لأسماء الشخصيات (أدهم/
(الأكل ،الشرب ،الإنجاب). آدم -إدريس /إبليس) ،أو تطا ُبق الحرف الأول بين
-إدريس :يلاحظ القارئ أن هناك تقار ًبا اسمين (قدري /قابيل -همام /هابيل)»( .)3إن هذا
فونولوجيًّا بين شخصية إدريس وإبليس ،وهذا الادعاء الذي يدعيه البعض نجده أقرب إلى الصواب،
قد لا يخفى على أحد ،بصرف النظر عن التطابق إذا ما حاولنا مقارنتها بالسمات والخصائص التي
في الدلالات الرمزية التي قدمها الكاتب للشخصية،
ولعل أبرزها« :إدريس ابنه هانم الذي خلق من قدمها نجيب محفوظ لشخوص روايته ،ونبدأ
لو ٍن مضيء ،وهو الابن الوحيد الذي لم يمتثل بالشخصية المحورية:
لأمر الجبلاوي القاضي بتعيين أدهم مدي ًرا للوقف، -الجبلاوي :التي اتسمت بعدة سمات نذكر منها:
ومن ثم كان جزاؤه الطرد من البيت»( .)6يحبل هذا «يبدو بطوله وعرضه خل ًقا فوق الآدميين كأنما
من كوكب هبط ،شيئًا خار ًقا ،قاد ٌر على معرفة
المقتطف من الرواية بعدة دلالات :الأولى تتمثل كل شيء ،يستطيع أن يطلع على كل صغيرة
في عدم امتثال إدريس للجبلاوي ومعارضته ،ثم
الدلالة الثانية هي أنه ُخلق من «لون مضيء» ،ثم وكبيرة»( .)4يتضح لنا بجلاء أن هذه الصفات التي
الدلالة الثالثة وهي الأقوى المتمثلة في الطرد من منحها صاحب الرواية للجبلاوي نجد فيها تقاط ًعا
البيت الذي يرمز للجنة ،وذلك يشي بعصيان إبليس كبي ًرا مع الصفات الإلهية ،لتكون بذلك شخصية
لربه وكان جزاؤه الطرد من الجنة. الجبلاوي «شخصي ًة أسطورية نظ ًرا للطابع
الميتافيزيقي للصفات المُسندة إليه في الرواية ()..
نستطي ُع القول بأن الجبلاوي هو الله ما دام هو
الجبار ،وليس كمثله شيء في الحارة التي وجد
من بين الدلالات الرمزية التي اعتمدها محفوظ في فيها منذ ال ِقدم ( )..علاوة على هذا نجد أن الرواية
ابتداع شخوص نصه ،بغض النظر عن التقارب أسندت إلى الجبلاوي أحكام بشرية مثل :التزوج،