Page 17 - Pp
P. 17
15 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
سفيان البراق
(المغرب)
جدلية الدين والسلطة..
في رواية «أولاد حارتنا»
لنجيب محفوظ
مثلث شخصية عرفة التطلع الكبير الذي يراود محفوظ؛ الكاتب المتنور
الحالم بمستقب ٍل أفضل بعي ًدا عن التشرذم والانحطاط ،وقد ابتكر
هذه الشخصية التي تحيل على العلم ،وترمي إلى الانفلات من قبضة
الأسطورة ،التي تمارس أكثر من حقها وتهيمن على عقل الإنسان في
مختلف الحقب الزمنية ،وكل ذلك قصد الارتماء في حضن العلم وضمان
العدل والمساواة بعي ًدا عن بطش مستب ٍد غاشم يهض ُم ال ُحقوق .لقد مارس
عرفة ،بهمة عالية ،السحر ،العلم فيما يبدو ،مبذ ًل قصارى جهده لتقديم
العلاج للناس.
آنذاك الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي احتضن لقد جعلت رواية «أولاد حارتنا» من نجيب
النص وواظب على نشره قبل أن يثير اهتمام
محفوظ ( )2006 -1911كاتبًا يسعد بمكان ٍة بارزة
الناس ،فيتبعه ضجيج عارم .نجحت خطته قبل أن في الخريطة الثقافية العربية ،كما مكنته من تصدر
تتبنى دار الآداب اللبنانية العمل وتنشره بشكل
رسمي سنة 1962في طبعته الأولى .ليعلن آنذاك المشهد الروائي العربي ،لتضع على رأسه ورود
الانتصار وتتوجه بجائزة نوبل للآداب سنة ،1988
عن حر ٍب ضروس واجهها نجيب محفوظ ببسالة دون أن ننسى طب ًعا ثلاثيته الشهيرة التي ساهمت
وجسارة ،إذ ظل يدافع عن الرؤى والأفكار التي
في هذا التتويج :بين القصرين ،وقصر الشوق،
حاول الترويج لها عبر شخوص روايته .شن والسكرية ،التي صدرت بين .1957 -1956ولا
التيار السلفي في مصر آنذاك هجو ًما شر ًسا عليه، غرو إذا قلت إنه لولا الحمأة التي أثارتها رواية
أولاد حارتنا آنذاك ،ما كان نجيب محفوظ ليظفر
حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة قتله ،في تقيي ٍد
تام لحرية الإبداع ،ومحاولة تنفيذ الرقابة على بجائزة نوبل؛ التي ظفرت بقيمته الرمزية.
لم تنشر هذه الرواية لأول مرة بين دفتي كتاب
اختيارات نجيب محفوظ الفنية والفكرية ،دون أن
يحاولوا قراءة النص بموضوعية بعي ًدا عن الخلفية كما هو متعارف عليه ،بل واظب صاحبها على
نشر فصولها بشكل متسارع في أعداد صحيفة
والمرجعية ،لأن قراءة جميع صنوف الإبداع ،بما الأهرام سنة ،1959وقد كان يشرف على الجريدة
في ذلك الرواية ،تقتضي أسا ًسا التمتع بهامش
من حرية التفكير ،والتوفر على آليات التحليل،