Page 45 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 45

‫أشار المؤلف إلى مهمته‪ ،‬وهي ابنة‬                               ‫وعطر مواقفي‪ ،‬وقع قطرات الغضب‬
                                                           ‫والحرمان‪ ،‬الغيرة والانتقام‪ ،‬مضا ًفا إليها‬
‫خياله المحض‪ ،‬لينبه هؤلاء الأصوليين‬
                                                               ‫لعبة الست‪ ،‬وهي ترتطم داخل كهفي‬
 ‫في محبتهم لأم كلثوم‪ ،‬وأ َّن ما كتبه‬                         ‫البعيد السري‪ .‬سأحدد مساحة الهامش‬
                                                           ‫وآفاق المتن‪ ،‬سحر المقدمة وشجن الختام‪.‬‬
  ‫لم يكن إلا أمي ًنا في نقله من خياله‬                     ‫سأكون المؤلفة الحقيقية‪ ،‬ويكفيك شر ًفا أن‬
                                                           ‫تكون يدي التي أكتب بها‪ .‬لن تفعل شي ًئا‬
 ‫كما تراءت إليه سيدتهم وكوكبهم‬                            ‫سوى الإنصات لهمساتي وتدوين ما أمليه‬

      ‫ال ُّدِّري الذي لا يسمحون أن يناله‬                                                    ‫عليك»‪.‬‬
                                                          ‫نفى صراحة عن نفسه أن يكون مؤ ِّر ًخا يعيد‬
  ‫من سمات البشر أ ُّي نقيصة‪ ،‬لكنهم‬
                                                            ‫كتابة سيرتها الذاتية‪ ،‬بل طوال العمل ُيطل‬
    ‫لم ينتبهوا‪ ،‬وقرروا أن يحملوا على‬                     ‫الروائي بخياله مذك ًرا القاريء بقانون القراءة‬

                         ‫المؤلف وخياله‪.‬‬                     ‫لعمله وكأنه يقول‪ُ :‬هنا عم ٌل روائي ُمتخيل‬
                                                               ‫لا تاريخي وغير خاضع لأحكام السرد‬
  ‫القاري حين يصل نهاية العمل ليكون هو القاضي‬                   ‫التاريخي أو الشفاهي حتى عن كوكبكم‬
         ‫المنوط بإطلاق الحكم على هذه الشخصية‪.‬‬
                                                     ‫العظيمة‪ ،‬لكن هيهات‪ ،‬فمن قرأ بوعي وانفتاح عقل‬
  ‫لماذا تعمد المؤلف تجريد أم كلثوم؟‬                      ‫واصل إلى ما أراد بركة من عمله‪ ،‬بينما منغلق‬
                                                         ‫الرؤية والأفق من ُعباد النموذج يأبون الوعي‪.‬‬
 ‫أوضحت‪ ،‬أن مؤلف حانة الست‪ ،‬حاول تفكيك هذه‬
   ‫الأسطورة‪ ،‬إلى الدرجة التي وصلت إلى ح ِّد الهدم‬   ‫جلس محمد بركة الروائي في حضرة «الديكتاتورة»‬
      ‫الكامل قبل أن ُيعيد البناء من جديد‪ ،‬وأراد أن‬  ‫أم كلثوم‪ ،‬يستمع إليها‪ ،‬ويتدخل وقتما تحتم سؤال‬
  ‫يأخذ القاريء معه إلى بدايات التكوين وإرهاصات‬
    ‫النشأة الأولى بكل عفويتها وطبيعتها‪ ،‬لذلك لجأ‬       ‫في عقل الروائي‪ ،‬عسى أن يهدهد قلق الأسئلة في‬
  ‫إلى اعتماد البطلة أم كلثوم على حكيها الذاتي‪ ،‬وأن‬    ‫بال الروائي الذي يبحث عن رؤية جديدة ُيقدمها‪،‬‬
    ‫تجرد نفسها بنفسها‪ ،‬بشكل يصل إلى ما ُيشبه‬         ‫لذلك سنجد سجا ًل فيما بينهما كثي ًرا عبر صفحات‬
                                                     ‫الرواية التي زادت عن ‪ 280‬ورقة‪ ،‬لم يكن خلالها‬
‫ثقافة الاعتراف الكاثوليكية‪ ،‬فلكي تكون نقيًّا وطاهر‬
     ‫الأسطورة‪ ،‬عليك أن تعترف بالحقيقة المجردة‪،‬‬          ‫لين الطبع مع هذه المطربة الكبيرة بكل عشاقها‬
     ‫لذا تحدثت بمكنون الروح البشرية الطبيعية في‬      ‫وبما صنعت من أسطورة حول نفسها قامت ببناء‬

   ‫النهاية‪ ،‬فهي امرأة في داخلها تحمل ما تحمل كل‬        ‫صرحها أو ساعدت عشاقها في ذلك البناء‪ ،‬لذلك‬
 ‫نساء الأرض‪ .‬تقول أم كلثوم في سردها‪« :‬همست‬          ‫فطوال العمل وأنت تقرأ تشعر بهذه العلاقة النفسية‬
  ‫لنفسي وأنا أتلمس خطواتي الأولى على طريق‬
‫الغيرة منتشية باكتشافي السلاح الأنثوي الأكثر‬          ‫بين المؤلف وأم كلثوم‪ ،‬فتارة يتركها تسترسل في‬
                                                    ‫الأحداث‪ ،‬وتارة يتحكم هو في إيقاع وزمن الأحداث‬
                                 ‫فت ًكا‪ :‬الدموع»‪.‬‬
        ‫ولأجل هذا التفكيك‪ ،‬قرر المؤلف اعتماد لغو‬       ‫دون مراعاة لمنطق تسلسها الزمني‪ ،‬وما بين هذا‬
       ‫الحوار بالمستوى الدارج من اللغة العامية في‬      ‫وذاك‪ ،‬أعلن محمد بركة عن رفضه لهذا التقديس‬
   ‫غالب الحوارات التي اشتملت عليها الرواية‪ ،‬وإلى‬       ‫المطلق والانسحاق أمام سطوة كوكب الشرق بلا‬
   ‫لغة ثالثة أحيا ًنا ليضمن توريط القارئ فيما يقرأ‬     ‫أسباب منطقية‪ ،‬إنما ودون انتباهها بذاتها داخل‬
                                                     ‫الرواية راح ُيعيدها إلى إطارها‪ ،‬لكن بألوان مختلفة‬
                                                        ‫هذه المرة‪ ،‬ألوان فيها من الحياد والعدالة الكثير‬

                                                         ‫بعي ًدا عن المبالغات والتقديس الهائل الزائف في‬
                                                       ‫الأصل‪ ،‬إذ تجده في مرات وكأنه قا ٍض لا يحكم‪،‬‬
                                                       ‫إنما جلس في جلسة استماع أولى بعدها سيحيل‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50