Page 46 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 46

‫العـدد ‪38‬‬                  ‫‪44‬‬

                                                      ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬

‫الشخصيات في بعض المقاطع حسب السياق الزمني‬               ‫فيضرب سمعه من هذه المستويات اللغوية التي‬
 ‫والاجتماعي‪ ،‬بل وفرضت كما قل ُت اللهجة العامية‬          ‫ستربطه بواقع الحكاية المُتخيلة كما يود المؤلف‪،‬‬
                   ‫في حوارات العمل الروائي كله‪.‬‬       ‫وليضمن حيوية في سرده‪ ،‬رغم خطورة استخدام‬

  ‫كأس «زيادة» أخير في حانة الست‬                           ‫هكذا تمثلات في استخدام حوار العامية واللغة‬
                                                      ‫الثالثة وسط ن ٍّص عربي فصيح وجزل في كثير من‬
 ‫زاد محمد بركة عبر سرده المُتخيل كأ ًسا أخي ًرا في‬     ‫الأحيان‪ ،‬وهو ما ُيحسب للعمل على خلاف الغالب‬
 ‫حانة الست يمكن وضعه إلى جانب كاسات الهوى‬
 ‫والعشق الموسومة باسم «الست»‪ ،‬حين راح يحكي‬             ‫من الأعمال التي تشعر فيها بالفجوة بين الحوار‬
                                                                ‫والمتن إذا ما اختلفا في مستوى لغتيهما‪.‬‬
    ‫لنا العديد من حكايات التاريخ المسكوت عنه في‬
   ‫سيرة أم كلثوم الذاتية‪ ،‬متطر ًقا إلى زوايا شديدة‬                 ‫لغة حانة الست‬
‫الحساسية قد يراها محبوها تجنيًا أو مبالغة تشوه‬
                                                        ‫أشرنا إلى اعتماد المؤلف لأكثر من مستوى لغوي‬
      ‫النموذج الذي عليه يعكفون‪ ،‬لكن الجديد فيما‬        ‫داخل العمل‪ ،‬وهو أمر أثرى عمله‪ ،‬خاصة أن المتن‬
 ‫قدمه المؤلف هنا من الحكايات المسكوت عنها‪ ،‬أنها‬        ‫السردي للرواية بطولها يمكن أن نلاحظ فيها هذه‬
  ‫جاءت كلها خلال عملية التفكيك تلك بهدف إعادة‬           ‫النقلات بين مستويات المتن الفصيح ذاته‪ ،‬معتم ًدا‬
  ‫البناء الإنساني المجرد لشخصية أم كلثوم‪ ،‬والتي‬       ‫على مفردات خاصة في بعض الأحيان بزمن الحكاية‬
 ‫يمكن أن نفهم من خلاله أن أم كلثوم امرأة أدركت‬         ‫المتخيلة‪ ،‬وجامعة بين هذا الزمن وبين زمن السرد‬
 ‫موهبتها فأحسنت إدارتها‪ ،‬ورضخت مرات للريح‪،‬‬
                                                           ‫ذاته الآني وقت كتابة العمل‪ ،‬وهو ما نجح فيه‬
   ‫وواجهت بجسارة حوادث شخصية خاصة كان‬                 ‫بركة باقتدار قد يكون مرجعه كونه صحفيًّا مارس‬
 ‫يمكن أن تنهيها للأبد‪ ،‬وهكذا قدمها بركة كنموذج‬
                                                         ‫الصحافة لسنوات طويلة‪ ،‬وصار مدر ًكا لتوقيت‬
     ‫إنساني يحمل في داخله الخير والش َّر‪ ،‬الحسن‬            ‫الانتقال بين مستويات اللغة داخل متن النص‬
    ‫والقبيح‪ ،‬الجمال والتشوه‪ ،‬وذلك كله لم يمنعها‬                                       ‫الواحد المكتوب‪.‬‬
   ‫من إدراك موهبتها والعمل عليها‪ ،‬وكأنها رسالة‬
     ‫يطرحها الكاتب لكل صاحب موهبة‪ ،‬أن يكون‬             ‫لم يقع محمد بركة في ف ِّخ اللغة وديباجتها‪ ،‬إنما م َّر‬
    ‫إنسا ًنا مجر ًدا قبل أن يكون موهو ًبا‪ ،‬فتلك أولى‬     ‫عليها م ًّرا لينًا يسي ًرا يناسب شخصيات الرواية‬
                                                           ‫بغير افتعال‪ ،‬فجاءت الكلمات على لسان أبطال‬
             ‫اللبنات في بناء الأسطورة الشخصية‪.‬‬
     ‫عبر ‪ 57‬مقط ًعا سرد ًّيا جاءت حانة الست‪ ،‬بها‬        ‫العمل طبيعية وفي سياقها التاريخي والاجتماعي‪،‬‬
‫الكثير والكثير مما انفرد به الصحفي قبل الروائي‪،‬‬          ‫دون مخالفة لمنطق عقل ما يقوله هؤلاء الأبطال‪،‬‬
      ‫ومنها ما هو معاين قب ًل مثل علاقتها بالدولة‬      ‫فمث ًل لن ترى غراب ًة أو نفو ًرا من اللغة المستخدمة‬
  ‫وخاصة إبان الحكم الناصري وعلاقتها الخاصة‬              ‫في سياق الحكي وسط النص حين يقول «سروا ًل‬
  ‫بجمال عبد الناصر‪ ،‬والتي لا يتسع المقام للحديث‬
‫عنها‪ ،‬وكلها مقاطع سردية شيقة غير مملة‪ ،‬ستتابع‬              ‫فضفا ًضا»‪« ،‬أعتى الرجال»‪« ،‬صفعة السادة»‪،‬‬
 ‫فيها عزيزي القاريء بلهفة لمعرفة المزيد‪ ،‬لكن انتبه‬           ‫«المكائد الصغيرة»‪« ،‬تروق لي تلك الحفاوة»‪،‬‬
     ‫فأنت مع بركة ستشارك في هدم هذا الصرح‪،‬‬
 ‫قبل أن تعيدا م ًعا بناءه من جديد ومن زوايا رؤية‬      ‫«مستودع سره ومحط ثقته»‪« ،‬ترويعي»‪« ،‬ليقضي‬
  ‫مختلفة ع ّما اعتمدها «مجاذيب الست»‪ ،‬وهم ُكثر‪،‬‬          ‫الله أم ًرا كان مفعو ًل»‪« ،‬انتفخ غروره»‪ ..‬إلخ‪ ،‬من‬
‫بدليل قائمة المراجع التي تصدرت نهاية هذه الطبعة‬           ‫عبارات ومفردات يمكن اعتبارها لغة كلاسيكية‬
                                                        ‫في السرد الروائي‪ ،‬إلا أن بركة أحسن استخدامها‬
                               ‫من «حانة الست»‬            ‫في سياق سرده‪ ،‬فلم تكن نشا ًزا على لغة الكاتب‬
                                                         ‫الصحفي ابن الألفية الثالثة‪ ،‬ولا على لغة الرواية‬
                                                       ‫التي ُكتبت لا شك قبل ثلاث سنوات‪ ،‬فلغة الرواية‬

                                                       ‫أخذت من عصرنة المؤلف‪ ،‬ومزجتها بجزالة حديث‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51