Page 236 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 236

‫العـدد ‪38‬‬         ‫‪234‬‬

                                                                   ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬     ‫الفكر‪ ،‬والمعاني العلمية‪،‬‬
                                                                                     ‫والأدبية‪ ،‬مثل الأستاذ‬
‫الأولى كأس معلِّم الصبيان‬            ‫«توقف في مدينة أويا»‬                          ‫عباس الجراري(‪ )2‬الذي‬
      ‫ته ِّذب الفكر‪ ،‬والثانية‬      ‫وهي «المدينة التي تحمل‬                           ‫يرى أن التاريخ احتفظ‬
                                 ‫اليوم اسم طرابلس الغرب‪،‬‬                              ‫بأسماء غير قليل من‬
  ‫وهي كأس معلِّم الخطابة‬                                                          ‫الأدباء والفلاسفة وعلماء‬
    ‫تمده بلسان الفصاحة‪.‬‬               ‫عاصمة ليبيا الحالية‪.‬‬                      ‫الدين الذين تخرجوا في هذا‬
                                 ‫كانت أويا واحدة من المدن‬                         ‫التعليم من مختلف أقطار‬
  ‫إنما يقتصر معظم الناس‬                                                          ‫الشمال الأفريقي‪ ،‬وعبَّروا‬
    ‫على الانتهال من هذين‬           ‫الثلاث إلى جانب سبراتا‬                         ‫باللاتينية في الغالب لأنها‬
    ‫الكأسين‪ ..‬أما أنا فإني‬        ‫ولبتس ماكانا التي شكلت‬                        ‫كانت لغة الفاتح المستعمر‪،‬‬
                                                                                   ‫وليس لأن اللغة الوطنية‬
  ‫أصبت من كؤوس أخرى‬                  ‫ما عرف بتريبوليتانيا‬
 ‫سقيتها بأثينا‪ ،‬وهي كأس‬           ‫[‪.]TRIPOLIS,TRIPOLITANIA‬القديمة‬                         ‫كانت قاصرة(‪.)3‬‬
                                  ‫ومن المعتقد أن الفينيقيين‬
     ‫الشعر ذات التخيلات‬            ‫هم الذين أسسوها‪ .‬لكن‬                           ‫الانتماء الجغرافي‬
     ‫المفتنة البارعة‪ ،‬وكأس‬                                                            ‫والمدني‬
    ‫الهندسة ذات الوضوح‬                ‫الرومان حكموها من‬
 ‫الناصع‪ ،‬وكاس الموسيقى‬              ‫‪ 146‬ق‪.‬م حتى ‪450‬م‪.‬‬                            ‫أبوليوس أو أفولاي يكون‬
‫العذبة المذاق‪ ،‬وكاس الجدل‬          ‫ثم بعد ذلك دخلت تحت‬                              ‫جزائر ًّيا بمؤ ِّشر المولد‪،‬‬
  ‫المحفوفة بشيء من الجد‬             ‫سيطرة الوندال (ق‪5‬م)‬
    ‫والوقار‪ ،‬ولاسيما منها‬        ‫وبعدها تحت تحت سيطرة‬                             ‫إذ يعرف باسم أبوليوس‬
     ‫كأس الفلسفة الكونية‬             ‫البيزنطيين [ق‪6‬م]‪ ،‬إلى‬                             ‫المداورشي نسبة إلى‬
     ‫الشاملة التي لا سبيل‬
    ‫لاستنفادها‪ ،‬والتي هي‬              ‫أن دخلها العرب عام‬                         ‫مداورش أو مداور‪ ،‬والتي‬
                                                ‫‪645‬م»(‪.)4‬‬                           ‫ولد فيها حوالي ‪ 124‬أو‬
       ‫لشاربها رحيق»(‪.)5‬‬
‫يعتبر أبوليوس أن التربية‪،‬‬          ‫الانتماء الثقافي‬                              ‫‪ 125‬بعد الميلاد «وقد كان‬
                                                                                   ‫موقعها على الحدود بين‬
   ‫والتعليم الأولي يبدأ مع‬       ‫الملاحظة الأولية لشخصية‬                             ‫غيتوليا نسبة إلى قبيلة‬
  ‫معلِّم الصبيان‪ ،‬فهو الذي‬      ‫أبوليوس الثقافية تظهر من‬
   ‫يضع الأرضية القاعدية‬         ‫خلال اسمه‪ ،‬فهو الفيلسوف‬                           ‫جدالة ونوميديا‪ ،‬وتونسيا‬
‫للفكر‪ ،‬وإذا استنطقنا النص‬                                                            ‫أو «قرطاجيا» بالمكانة‬
   ‫فإننا نجد الكأس الأولى‬            ‫المادوري الأفلاطوني‪،‬‬                              ‫العلمية‪ ،‬وبالحضور‬
   ‫التي نهل منها أبوليوس‬            ‫فثقافته القاعدية تبدأ في‬
                                   ‫مادور‪ ،‬كانتماء جغرافي‪،‬‬                         ‫العلمي والأدبي؛ إذ برزت‬
     ‫توجهه العلمي‪ ،‬وحبَّه‬          ‫وثقافي مح َّدد بمعالم‪ ،‬ثم‬                    ‫الشخصية الأدبية من خلال‬
‫للحقيقة‪ ،‬كان في مادور مع‬        ‫تتبلور بالكوني الذي يتج َّل‬
                                    ‫في الفلسفة‪ ،‬يقول‪« :‬قال‬                           ‫النبوغ في فن الخطابة‪،‬‬
  ‫معلمه الأول‪ ،‬فهو الموجه‬        ‫أحد الحكماء في حديثه عن‬                          ‫كما تشرفت تونس أي ًضا‬
‫الأول للفكر‪ ،‬فمستقبل المرء‬       ‫آداب المائدة‪ :‬الكأس الأولى‬
                                   ‫للعطش‪ ،‬والثانية للمرح‪،‬‬                             ‫بمؤشر الوفاة‪ ،‬حيث‬
    ‫يكون معه‪ ،‬فالتعليم في‬          ‫والثالثة للمتعة‪ ،‬والرابعة‬                       ‫استقر في ثراها‪ ،‬إذ توفي‬
‫الصغر كالنقش في الحجر‪،‬‬            ‫للجنون‪ ..‬ويمكن أن نقول‬                         ‫في تونس حوالي ‪ .170‬كما‬
                                   ‫عكس ذلك في حديثنا عن‬                            ‫يحق لليبيا أي ًضا الادعاء‬
    ‫ويشير أي ًضا إلى معلم‬       ‫الكأس التي تجود بها ربات‬                        ‫بالمشاركة في تركيب هويته‬
‫الخطابة الذي يق ِّوم اللسان‪،‬‬       ‫الفنون‪ ،‬والعلوم‪ ..‬الكأس‬
                                                                                      ‫على قاعدة الاستقرار‬
  ‫ويمنح المتعلم فصاحة في‬
   ‫اللسان‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫أبوليوس كان مفك َرا مميَّ ًزا‪،‬‬
    ‫وخطيبًا فصي ًحا‪ ،‬وهي‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241