Page 241 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 241

‫‪239‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫للعقاب‪ ،‬والمسخ‪ ،‬يقول‬           ‫الشبقية‪ ،‬وانفعالاته‬     ‫المطلوب من المواطن‪ ،‬والذي‬
     ‫أرسطومنيس واص ًفا‬           ‫الضالة‪ ،‬بيد أن النجاة‬    ‫ما نصه‪« :‬ها أنت يا لوكيوس‬
     ‫سقراط‪« :‬وحق الإله‪،‬‬           ‫في الرواية لن تتح َّقق‬
    ‫أنك لتستحق أن يحدث‬          ‫سوى عن طريق المحن‬            ‫قد وصلت أخي ًرا إلى مرفأ‬
    ‫لك أسوأ‪ ،‬إن كان هناك‬      ‫والابتلاءات والاختبارات‬       ‫السلام ومعبد الرحمة ولم‬
    ‫ما هو أسوأ‪ ،‬مما حدث‬     ‫المضنية والاستعانة بالتوبة‬    ‫تستفد في أي مكان من نسبك‬
    ‫لك‪ ،‬لأنك اندفعت وراء‬                                   ‫ولا من مركزك على الأقل أو‬
  ‫شهواتك‪ ،‬وانقدت لامرأة‬             ‫واسترضاء الآلهة‪.‬‬         ‫من ثقافتك الرائعة نفسها‪.‬‬
‫بغي‪ ،‬و تخلَّيت عن زوجتك‬     ‫وفي الحكاية الفرعية الأولى‬    ‫وإنما وقعت في فترة الشباب‬
                            ‫من التحولات يبدأ أبوليوس‬
            ‫وأطفالك»(‪.)12‬‬   ‫في سرد التح ُّول الأول الذي‬         ‫الفج بين أحضان اللذة‬
     ‫ونجد في قصة النفس‬       ‫استهله بسقراط فيلسوف‬         ‫الوضيعة وقد كان لك الجزاء‬
                                                           ‫السيئ على فضولك الذي لم‬
       ‫مع فينوس دلالات‬         ‫العقل‪ ،‬والمفكر الذي ثار‬     ‫يكون في محله‪ ،‬وكيفما كان‬
    ‫متعارضة‪ ،‬ومتعاكسة‪،‬‬       ‫على المدرسة السفسطائية‪،‬‬      ‫الأمر فقد قادك القدر الأعمى‬
    ‫فقداسة الإلهة فينوس‪،‬‬    ‫والتي ينتمي إليها لوكيوس‬
    ‫وتعاليها استثمرته‪ ،‬في‬                                      ‫في لحظة الخطر المحدق‬
  ‫تعذيب النفس [بسيشي]‬           ‫فلسفيًّا‪ ،‬فسقراط أي ًضا‬      ‫والعذاب إلى هذه السعادة‬
  ‫وتسليطها العقاب عليها‪،‬‬            ‫لم تشفع له مكانته‬
                                                                          ‫الدينية»(‪.)11‬‬
       ‫يتعارض مع طبيعة‬        ‫العلمية‪ ،‬ومقامه الفلسفي‬        ‫فإقامة لوسيوس علاقات‬
 ‫فينوس المتعالية والرامزة‬        ‫أن يحافظ على هويته‪،‬‬
‫لقيم الحب والإخاء‪ ،‬ويبدو‬        ‫وتوازنه عندما ينحرف‬            ‫جنسية غير شرعية مع‬
                                                           ‫خادمة مضيفه ميلون‪ ،‬وراء‬
   ‫أن الفيلسوف لوكيوس‬         ‫عن القاعدة الأخلاقية‪ ،‬إذ‬      ‫المسخ إلى حمار‪ .‬ولن يعود‬
     ‫يرغب في الإشارة إلى‬    ‫يشبهه لوكيوس في الرواية‬        ‫البطل إلى حالته البشرية إلا‬

  ‫طبيعة فينوس الرومانية‬       ‫بالمتسول الذي يستجدي‬            ‫بعد التوبة والدعاء باسم‬
  ‫العدوانية لمريديها بعكس‬    ‫الناس‪ ،‬ولو عدنا الى تاريخ‬     ‫الآلهة والتخلص من نوازعه‬
   ‫فينوس الشرقية عنوان‬       ‫سقراط لوجدنا أن التس ُّكع‬
                                                                 ‫الإيروسية وانفعالاته‬
                  ‫المحبة‪.‬‬         ‫في الشوارع‪ ،‬وإهمال‬         ‫البشرية العدوانية وتدخل‬
‫ونجد في المرافعة إشارة إلى‬      ‫الواجبات الأسرية‪ ،‬من‬
                              ‫المعلومات التي نجدها في‬                  ‫المنقذة إيزيس‪.‬‬
  ‫الطبيعة المزدوجة للإلهة‬    ‫سيرة الفيلسوف سقراط‪،‬‬           ‫لذلك يشيد الكاتب بإيزيس‬
 ‫فينوس‪ ،‬فيقول‪« :‬فينوس‪:‬‬         ‫ولعل نيتشه الذي ج َّسد‬
                             ‫الروح الأبولونية في مقابل‬        ‫الإلهة المخلِّصة وبالديانة‬
     ‫ذات طبيعة مزدوجة‪،‬‬         ‫الروح الديونيسيوسية‪.‬‬          ‫الشرقية‪ ،‬وفي نفس الوقت‬
 ‫يحكم كل جانب منها نوع‬            ‫الوضعية التي أصبح‬          ‫يسفه بالديانات الرومانية‬
  ‫الألفة الآلاف الخاص به‪:‬‬         ‫فيها سقراط مناقضة‬          ‫وانحطاطها الأخلاقي عن‬
‫جانب سوقي مبتذل يحكم‬           ‫تما ًما للنموذج الذي كان‬
                                 ‫يعبر عنه‪ ،‬فهو نموذج‬            ‫وصفه لبعض العادات‬
    ‫حب العامة‪ ،‬لا النفوس‬                                   ‫والتقاليد السائدة في عصره‬
    ‫البشرية فقط بل كذلك‬            ‫الحكيم الذي يجسد‬        ‫وهجوها نق ًدا وتسفي ًها‪ .‬وقد‬
    ‫البهائم‪ ،‬داجنها وبريها‬  ‫بفكره‪ ،‬وسلوكه اللوغوس‪،‬‬        ‫آل هذا التح ُّول الفانطاستيكي‬
   ‫(متوحشها)‪ ،‬ويجمع في‬
‫عناقه الوحشي بقوة عاتية‬           ‫وبانحرافه عن سقف‬             ‫إلى معنى رمزي يجسد‬
    ‫عنيفة أجساد الكائنات‬     ‫الحكمة والعقل يكون أه ًل‬         ‫انحطاط الإنسان ونزوله‬
                                                              ‫إلى مرتبة الحيوان حينما‬
                                                             ‫يستسلم لغرائزه وأهوائه‬
   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246