Page 237 - merit el thaqafya 38 feb 2022
P. 237

‫‪235‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫عباس الجراري‬                   ‫شارل أندريه جوليان‬           ‫الملكات التي اكتملت ونضجت‬
                                                                  ‫عنده من خلال التربية‪،‬‬
  ‫النص وإشكالية‬                  ‫فيلسو ًفا استطاع بحكمته‪،‬‬
      ‫الهوية‬                     ‫وملكاته المميزة هضم تلك‬       ‫والتنشئة في محيطه الثقافي‬
                               ‫المعطيات العلمية والفلسفية‪،‬‬         ‫الأول مادور وقرطاج‪.‬‬
    ‫تتقاطع مساءلة النص‬            ‫وإبداع فلسفة خاصة به‪:‬‬             ‫وفي النص إشارة من‬
   ‫تب ًعا للمرجعية المعيارية‬                                      ‫أبوليوس إلى الوافد على‬
                                   ‫«وبالفعل فإن امبيدوقل‬
    ‫مع الأشكلة الإنسانية‬          ‫ينظم القصائد وأفلاطون‬         ‫ثقافته الأصيلة المادورية‪،‬‬
‫لقضية الهوية في كثير من‬          ‫يكتب المحاورات‪ ،‬وسقراط‬        ‫والقرطاجية‪ ،‬وهو اليونان‪:‬‬
‫اللحاظ أو الحيثيات‪ ،‬والتي‬      ‫يضع الأناشيد‪ ،‬وإبيكارمس‬          ‫أثينا‪ ،‬وفيها نهل من كأس‬
 ‫تتصدرها زئبقية المخاض‬
                                    ‫يصنف مشاهد التمثيل‬           ‫الشعر الذي بلور‪ ،‬وفجر‬
  ‫البحثي؛ لأن التباين بين‬          ‫الإيماني و[إكسينوفين]‬       ‫ملكة الخيال عند أبوليوس‪،‬‬
      ‫المدارس والاتجاهات‬         ‫يؤلِّف القصص التاريخية‬
                                ‫و[قراتاس] يصنع الأهاجي‬              ‫فالصور الفنية وليدة‬
 ‫أصبح موضوعة وبديهية‬            ‫أما صاحبكم أبوليوس فهو‬        ‫الخيال الشعري‪ ،‬وفي النص‬
      ‫في فكر المتل ِّقي‪ ،‬وإذا‬     ‫يجمع كل هذه الأصناف‬        ‫الشعري الإغريقي مادة خام‬
                                 ‫ويتعامل مع ربات الفنون‬      ‫لأبوليوس في تكييف‪ ،‬وتليين‬
    ‫كانت مؤشرات الهوية‬           ‫التسع فيوفيها حق قدرها‬
  ‫ومقاييسها في م ٍّد وجزر‬        ‫سو ًّيا‪ ..‬لأن الفضل في كل‬      ‫النص الأبوليوسي‪ ،‬ونجد‬
                                  ‫عمل صالح إنما يعود إلى‬      ‫في الرواية (الحمار الذهبي)‬
       ‫بين علماء السياسة‬       ‫الجهد‪ ،‬أما النجاح فهو رهين‬
 ‫والاجتماع‪ ،‬فكذلك الشأن‬                                         ‫استثما ًرا لقضايا إغريقية‬
 ‫بالنسبة إلى أصالة النص‪،‬‬                        ‫الحظ»(‪.)7‬‬         ‫بأسلوب يمزج فيه بين‬

      ‫كانت وما زالت بين‬                                        ‫الثقافة الأمازيغية‪ ،‬والثقافة‬
‫مدارس النقد الأدبي تطرح‬                                            ‫الهيلنتسية‪ ،‬فالأسلوب‬
‫آفا ًقا جديدة من الاعتبارات‬
                                                                 ‫الميليسي الذي يشير إليه‬
                                                                ‫إبليوس في البداية هو فن‬
                                                            ‫إغريقي‪ ،‬يقول عمار الجلاصي‬
                                                              ‫على هامش ترجمته للكتاب‪:‬‬
                                                            ‫«النمط الميليتي لون أدبي يقوم‬
                                                                ‫على جمع قصص تحتوي‬
                                                              ‫على إثارة جنسية عادة نشأ‬
                                                              ‫في مدينة ميليتوس في القرن‬

                                                                    ‫الثاني قبل الميلاد»(‪.)6‬‬
                                                               ‫وإضافة إلى الملكة الشعرية‬
                                                             ‫تعرف أبوليوس في أثينا على‬
                                                             ‫الهندسة وعلوم الرياضيات‪،‬‬
                                                             ‫فهي علم الوضوح والبداهة‪،‬‬
                                                              ‫وعلى الموسيقى التي أ َّسسها‬
                                                              ‫فيثاغورس بمعية تلامذته‪..‬‬
                                                             ‫وفن الجدل أي ًضا استقاه من‬
                                                              ‫الإغريق‪ ..‬ولكن أبوليوس لم‬
                                                             ‫يكن مفك ًرا أو عالمًا مجت ًّرا‪ ،‬بل‬
   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242